فاقتسماها بالسوية، فاشترى الكافر أرضا بألف دينار، فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضا بألف دينار، وأنا أشتري منك أرضا في الجنة بألف، فتصدق به، ثم بنى أخوه دارا بألف، فقال: اللهم إني أشتري منك دارا في الجنة بألف، فتصدق به، ثم تزوج أخوه امرأة بألف، فقال: اللهم إني جعلت ألفا صداقا للحور العين، ثم اشترى أخوه خدما، ومتاعا بألف دينار، فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف، فتصدق به، ثم أصابته حاجة، فجلس لأخيه على طريقه، فمر به في حشمه، فتعرض له، فرده، ووبّخه على التصدق بماله. والآيات التالية تبين لنا ما حل به وبما له من الهلاك والبوار. هذا؛ وأكثر المفسرين على أنّ هذين الأخوين هما اللذان قص الله علينا خبرهما بعد الموت في سورة (الصافات)، وذلك في قوله جل شأنه:{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ..}. إلخ الآية رقم [٥٠] وما بعدها، فبين الله حالهما في الدنيا في هذه السورة، وبين حالهما في الآخرة في سورة (الصافات).
هذا؛ وقيل: إن الأخوين كانا في مكة من بني مخزوم: أحدهما مؤمن، وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد زوج أم سلمة-رضي الله عنهما-قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم، والآخر كافر، وهو الأسود بن عبد الأسد. وقيل: هو مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان، وصهيب، وأصحابهما، والمعتمد الأول، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
بعد هذا انظر:{وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً} في الآية رقم [٢٤] من سورة (إبراهيم) عليه الصلاة والسّلام، و {أَعْنابٍ:} جمع عنب، وعنب: اسم جنس جمعي مثل: تمر، ويفرق بينه وبين واحده بالتاء، وهي عنبة، وتمرة، ونخل أيضا مثل عنب، ومفرده: نخلة، ونخيلة، وجمعه:
نخيل، وفي المختار: النخيل، والنخل بمعنى، فهو يفيد أنهما جمعان لنخلة، وهو ما رأيته في الإسراء [٩١] تأمل، ومعنى جنتين بستانين، والزرع: ما يزرع من الحبوب على جميع أنواعها، والخضار على اختلاف أجناسها، وأشكالها. هذا؛ ووجود الأشجار العالية على جوانب البستان، ووجود الحبوب والخضار في وسطه، ممّا يزيده جمالا وروعة، مع توفر ما يحتاج إليه الإنسان من قوت، وما يشتهيه من تفكه بالفواكه، وتلذذ في الخضار.
{وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ:} جعلنا النخل محيطا بهما من كل جانب، يقال: حفّه القوم: إذا طافوا به، وحففته بهم: إذا جعلتهم حافين حوله. وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات». وفي آخر سورة (الزمر) قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}.
أما (أحد) فأصله: وحد؛ لأنه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، وإنّما يحسن في المضمومة والمكسورة، مثل قولهم: وجوه، وأجوه، ووسادة، وإسادة، وهو مرادف للواحد في موضعين: أحدهما: وصف الباري جل علاه، فيقال: هو الواحد، وهو الأحد، والثاني: أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون، وفي غير هذين الموضعين يفرق