الإخبار بالغيب، والحكمة من الإخبار بما يقول قبل وقوعه توطين نفوس المؤمنين على الصبر؛ إذ المفاجأة بالمكروه أشد، وإعداد الجواب قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، وأبلغ في الحجة، فقبل الرمي يراش السهم. وهذه الآية متقدّمة في نظم القرآن، متأخرة في النزول عن الآية التي أشرت إليها، ويعزون هذا إلى ابن عباس-رضي الله عنهما-وإلى غيره.
فمعنى:{سَيَقُولُ..}. إلخ: أنّهم يستمرّون على هذا القول، وإن كانوا قد قالوه. وحكمة الاستقبال: أنهم كما قالوا ذلك في الماضي، منهم من يقوله أيضا في المستقبل. انتهى ملخصا من الجمل. هذا؛ و {السُّفَهاءُ} جمع: سفيه، وهو الجاهل، ضعيف الرأي، قليل المعرفة بالمنافع والمضار. وأصل السّفه: الخفة، والرّقة، من قولهم: ثوب سفيه: إذا كان خفيف النّسج، والمراد: اليهود، والمنافقون. {ما وَلاّهُمْ:} ما صرفهم. {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها:}
التي كانوا يتوجهون إليها في صلاتهم، وهي بيت المقدس.
{قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ:} أي جميع جهاتها فهي ملك لله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء.
{مُسْتَقِيمٍ:} لا اعوجاج فيه، وانظر سورة (الفاتحة)؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ وخرّج البخاري-رحمه الله تعالى-عن البراء بن عازب-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه أول صلاة صلاها-أي: إلى الكعبة-العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممّن كان صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فمرّ على أهل المسجد، وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل مكة، فداروا، كما هم قبل البيت ففي هذه الرواية كانت الصلاة صلاة العصر، وفي رواية مالك: صلاة الصبح، وقيل: صلاة الظهر. والمراد بأهل المسجد الذين مرّ عليهم الرّجل: أهل مسجد قباء. هذا؛ وقيل: نزل ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجد بني سلمة، وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها، فتحول في الصلاة، فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين. وكان التحوّل إلى الكعبة قبل موقعة بدر.
هذا واختلف في اتجاه النبي صلّى الله عليه وسلّم في صلاته قبل الهجرة، فقالت طائفة: إلى بيت المقدس، وبالمدينة ستة عشر شهرا، ثم صرفه الله تعالى: إلى الكعبة. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال آخرون: أول ما فرضت عليه الصّلاة إلى الكعبة، فلمّا هاجر؛ أمر بالتوجّه إلى بيت المقدس، ثمّ صرفه الله إلى الكعبة، قال أبو عمر: وهذا أصح القولين عندي.
وقال أبو حاتم البستي: صلّى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام سواء، وذلك: أنّ قدومه المدينة كان يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول،