للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة الرجلين اللذين رأيت الكلام فيهما إلى الحضور والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولأهل مكة المعاندين الحق، كما هو واضح للعيان. {كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ} أي: بالماء. {نَباتُ الْأَرْضِ:} فالتف بسببه، وخالط النبات بعضه بعضا من كثرته، وتكاثفه، وحقه أن يكون الكلام، فاختلط بنبات الأرض، لكن لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه، عكس للمبالغة في كثرته. وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (يونس) عليه السّلام، فإنها مثل هذه الآية في التشبيه التمثيلي، وفي كل شيء.

{فَأَصْبَحَ هَشِيماً:} متكسرا من اليبس متفتتا بسبب انقطاع الماء عنه. {تَذْرُوهُ الرِّياحُ:} تفرقه، وتذهب به، وقرئ: «(تذريه)» بضم التاء من أذرى الرباعي، وبفتحها من ذرى الثلاثي. هذا؛ وفي الآية تشبيه التمثيل، انظر سورة (يونس). {وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ} من الإنشاء، والإفناء، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك. {مُقْتَدِراً:} قادرا لا يعجزه شيء في هذا الكون.

تنبيه: قالت الحكماء: إنما شبه الله تعالى الدنيا بالماء؛ لأن الماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقى على حال واحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى، ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أن يدخله أحد إلا ويبتل، كذلك الدنيا لا يسلم من دخلها من فتنتها، وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا، وإذا جاوز المقدار كان ضارّا مهلكا، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع، وفضولها يضر، وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أكون من الفائزين. قال: «ذر الدّنيا، وخذ منها كالماء الرّاكد، فإنّ القليل منها يكفي، والكثير منها يطغي». وفي صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه». انتهى. قرطبي بحروفه.

هذا؛ وأقول: إن كل إنسان وحياته كالنبات الذي ينبت من الأرض بسبب المطر: طفولته، ومراهقته، وشبابه، وكهولته، وشيخوخته، وهرمه. كل ذلك شبيه بأطوار النبات على الأرض، ورحم الله من يقول: [البسيط]

ما أنت إلاّ كزرع عند خضرته... لكلّ شيء من الآفات مقصود

فإن سلمت من الآفات أجمعها... فأنت من بعد ذا لا بدّ محصود

الإعراب: {وَاضْرِبْ:} الواو: حرف استئناف. (اضرب): أمر، وفاعله مستتر تقديره:

«أنت». {مَثَلَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الْحَياةِ} مضاف إليه. {الدُّنْيا:} صفة {الْحَياةِ} مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف. {كَماءٍ:} متعلقان بالفعل (اضرب) على أنهما مفعوله الثاني، إن كان بمعنى: صير، وأوضع منه أن تعتبر الكاف اسما بمعنى: مثل مبنيا على الفتح في محل نصب مفعوله الثاني، والكاف مضاف، و (ماء) مضاف إليه. هذا؛ وإن كان الفعل بمعنى: اذكر، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هو كماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>