طارق، والله أعلم. {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} أي: أسير زمانا، هذا؛ وقيل: الحقب ثمانون سنة.
وقيل: سبعون، والجمع: أحقاب، وقافه تضم، وقد تسكن. هذا؛ والحقبة بكسر الحاء: واحدة الحقب، وهي السنون. قال تعالى في سورة (النبأ): {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً}.
وسبب هذه القصة ما خرجه الصحيحان عن أبيّ بن كعب: أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«إنّ موسى عليه السّلام قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا، فتجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ». وذكر الحديث، واللفظ للبخاري. انتهى. قرطبي.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر، أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار، أمره الله أن ذكرهم بأيام الله، فخطب قومه، فذكرهم ما آتاهم الله من الخير، والنعمة؛ إذ نجاهم من آل فرعون، وأهلك عدوهم، واستخلفهم في الأرض، ثم قال: وكلم الله نبيكم تكليما، واصطفاه لرسالته، وألقى عليّ محبة منه، وآتاكم من كل ما سألتموه، فجعلكم أفضل أهل الأرض، ورزقكم العز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والتوراة بعد أن كنتم جهالا. فقال له رجل من بني إسرائيل: عرفنا الذي تقول، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟! قال: لا. فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه، فبعث الله جبريل عليه السّلام، أن يا موسى، وما يدريك أين علمي؟ بل إن لي عبدا بمجمع البحرين أعلم منك.
قال علماؤنا قوله في الحديث:«هو أعلم منك» أي: بأحكام وقائع مفصلة، وحكم نوازل معينة، لا مطلقا، بدليل قول الخضر لموسى: إنك على علم علمكه الله، لا أعلمه أنا، وأنا على علم علمنيه، لا تعلمه أنت. فيصدق على كل واحد منهما: أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما، لا يعلمه الآخر، فلما سمع موسى-عليه السّلام-هذا تشوقت نفسه الفاضلة، وهمته العالية لتحصيل ما لم يعلم، وللقاء من قيل فيه: إنه أعلم منك، فعزم، وسأل سؤال الذليل ب: كيف السبيل؟ فأمر بالارتحال على كل حال. وقيل له: احمل معك حوتا مالحا في مكتل، فحيث يحيا، وتفقده؛ فثمّ السبيل، فانطلق مع فتاه لما واتاه مجتهدا طلبا قائلا:
لا أبرح حتى... إلخ. انتهى قرطبي.
هذا؛ وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: وقيل: إن موسى عليه السّلام سأل ربه؛ أيّ:
عبادك أحبّ إليك؟ قال: الذي يذكرني، ولا ينساني. قال: فأي: عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق، ولا يتبع الهوى. قال: فأي: عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى، أو ترده عن ردى، فقال: إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه. قال: أعلم منك الخضر. قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة.