{اِسْتَطْعَما أَهْلَها:} طلبا طعاما. {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما:} قال أبي بن كعب-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«أتيا أهل قرية لئاما، فطافا في المجالس، فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيّفوهما». وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:«أطعمتهما امرأة من أهل بربر، بعد أن طلبا من الرجال، فلم يطعموهما، فدعا موسى لنسائهم، ولعن رجالهم» وعن قتادة-رضي الله عنه-قال: شر القرى التي لا تضيف الضيف. انتهى. وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
{فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي: يسقط، وهذا من مجاز الكلام؛ لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه: قرب، ودنا من السقوط، كما تقول: داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها، فاستعير لها النظر، كما استعير للجدار الإرادة، وهو مستعمل في اللغة العربية نثرا، ونظما. قال الشاعر:[الوافر]
يريد الرّمح صدر أبي براء... ويعدل عن دماء بني عقيل
فجعل للرمح إرادة بشيء، وعدولا عن شيء آخر. وقال حسان-رضي الله عنه-: [الخفيف]
إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل... لزمان يهمّ بالإحسان
وقال الزمخشري في كشافه: وسمعت من يقول: عزم السّراج أن يطفأ، وطلب أن يطفأ. وإذا كان القول، والنطق، والشكاية، والصدق، والكذب، والسكوت، والتمرد، والإباء، والعزة، والطواعية، وغير ذلك مستعارة للجماد، ولما لا يعقل، فما بال الإرادة؟. انتهى. {فَأَقامَهُ} أي: سواه. وفي حديث أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«فقال الخضر بيده هكذا؛ فأقامه». وقال ابن عباس: هدمه، وقعد يبنيه. وقال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-: مسحه بيده، وأقامه فقام.
قال القرطبي: وهذا هو القول الصحيح، وهو الأشبه بأفعال الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، بل والأولياء. وفي بعض الأخبار: إنّ سمك ذلك الحائط كان ثلاثين ذراعا بذراع ذلك القرن، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع، وعرضه خمسون ذراعا، فأقامه الخضر عليه السّلام؛ أي: سواه بيده فاستقام. انتهى.
{لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً:} والمعنى: أنك قد علمت أننا جياع، وأن أهل القرية لم يطعمونا، فلو أخذت أجرا على عملك؛ حتى نستدفع فيه الضرورة، ومسيس الحاجة إلى الطعام.
هذا؛ وقد قيل في تفسير هذه الآيات التي وقعت لموسى مع الخضر عليهما السّلام: إنها حجة على موسى، وعجب له، وذلك: أنه لما أنكر خرق السفينة؛ نودي: يا موسى! أين كان تدبيرك هذا، وأنت في التابوت مطروحا في اليم؟! فلما أنكر أمر الغلام؛ قيل له: أين إنكارك هذا من وكزك القبطي، وقضائك عليه؟! فلما أنكر إقامة الجدار؛ نودي: أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر؟!