إذ التقدير: فلم أعط شيئا نافعا. {غَصْباً:} قهرا من أصحابها.
بعد هذا: فالسفينة معروفة، وتجمع على: سفين، وسفائن، ويجمع السفين على: سفن بضمتين، وجمع السفينة على سفين شاذ؛ لأن الجمع الذي يفرق بينه وبين واحده بالهاء بابه المخلوقات، مثل تمر، وتمرة، ونخل ونخلة، وأما في المصنوعات مثل سفينة وسفين فمسموع في ألفاظ قليلة. ومنهم من يقول: السفين لغة في الواحدة، وهي فعيلة بمعنى: فاعلة، كأنها تسفن الماء؛ أي: تقشره، وصاحبها: سفّان. انتهى. جمل نقلا من المصباح المنير.
هذا؛ واحتج الشافعي وغيره في الآية الكريمة على أنّ المسكين أحسن حالا من الفقير، فقد سماهم الله مساكين مع كونهم عندهم سفينة يعملون في البحر، وقد بينت هذا في الآية رقم [٦٠] من سورة (التوبة). أما (وراء) فهو هنا بمعنى: أمام، وقدّام. وقيل: هو بمعنى: خلف، وكان رجوعهم في طريقهم عليه، والأول: أصح، ومنه قوله تعالى:{وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وهو كثير في القرآن الكريم، وفي الشعر العربي، كما يأتي بمعنى: بعد، خذ قوله تعالى:{فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} أي: من بعد إسحاق يعقوب. وقال النابغة الذبياني:[الطويل]
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وليس وراء الله للمرء مذهب
أي: وليس بعد الله جل جلاله، وكذلك قوله تعالى:{وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} أي: من بعده. ومن مجيئه بمعنى: أمام، وقدّام قول لبيد-رضي الله عنه-: [الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيّتي... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وأيضا قول سوار بن المضرب السعدي، وكان قد هرب من الحجاج حين فرض البعث مع المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج:[الطويل]
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي... وقومي تميم والفلاة ورائيا؟
الإعراب:{أَمَّا:} أداة شرط، وتوكيد، وتفصيل، أما كونها أداة شرط؛ لأنها قائمة مقام أداة الشرط، وفعله بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل مهما يكن من شيء؛ فالأمر كذا، فأنيبت أما مناب: مهما، ويكن من شيء، فصار: أما السفينة. وأما كونها أداة توكيد؛ لأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لكونها علقته على أمر متيقن، وأما كونها أداة تفصيل؛ لأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها.
{السَّفِينَةُ:} مبتدأ. {فَكانَتْ:} الفاء: واقعة في جواب {أَمَّا}. (كانت): ماض ناقص، واسمه يعود إلى {السَّفِينَةُ،} والتاء للتأنيث. {لِمَساكِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (كان)، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، وهي علة تقوم مقام علتين من موانع الصرف، وجملة:{يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} في محل جر صفة (مساكين)، وجملة: