{وَوَجَدَ عِنْدَها:} عند تلك العين. {قَوْماً:} قيل: كان لباسهم جلود الوحش، وطعامهم ما لفظه البحر، وما نبت من الأرض، وكانوا كفارا، لذا خيره الله بين أن يعذبهم، أو يدعوهم إلى الإيمان وهم أهل مدينة: جابرس، ويقال لها بالسريانية: جرجيسا، يسكنها قوم من نسل ثمود الذين آمنوا بصالح عليه السّلام؛ أي: وكفروا مع تطاول الزمن. هذا؛ وانظر شرح (قوم) في الآية رقم [١٣] من سورة (النحل). وانظر ما ذكرته في (مسجد) في الآية رقم [٢١].
هذا؛ وتجمع عين على: عيون، وأعين، وأعيان أيضا، والأخير غير مشهور، وقليل الاستعمال، وأعين جمع قلة، وغيره جمع كثرة، والمراد: بها هنا عين الماء كما يظهر، وتطلق على العين الباصرة، وعلى الجاسوس، كما في قولك: بث الأمير عيونه في المدينة؛ أي:
جواسيسه، كما تطلق على ذات الشخص، كما في قولك: جاء محمود عينه. وعين الشيء:
خياره، وتطلق على النقد من ذهب، وغيره، وإليك قول الشاعر: [البسيط]
واستخدموا العين منّي، وهي جارية... وقد سمحت بها أيّام وصلهمو
فالمراد بالعين: ذاته، والمراد: ب: «جارية» عينه التي تجري بالدمع، والمراد: بقوله:
«بها»: نقد الذهب، وهذا يسمى في فن البديع: استخداما، كما تطلق على الماء الجاري النابع من الأرض، وتطلق على المطر الهاطل من السحاب. قال عنترة: [الكامل]
جادت عليه كلّ عين ثرّة... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم
هذا؛ وأعيان القوم: أشرافهم، وبنو الأعيان: الإخوة من الأبوين.
{قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ:} هذا القول له إن كان نبيا؛ فهو وحي، وإن كان وليا؛ فهو إلهام. {إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا..}. إلخ: خير الله ذا القرنين كما خير محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فقال جل شأنه: {فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وقال جل ذكره: {فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً} فقد خيره الله بين تعذيبهم وبين الإحسان إليهم بالإرشاد، وتعليم الشرائع، والعفو، والصفح عنهم؛ إن هم استجابوا لذلك. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: لإمّا خمسة معان:
أحدها: الشك، نحو: جاءني إما زيد، وإما عمرو. إذا لم تعلم الجائي منهما.
الثاني: الإبهام: كما في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} الآية رقم [١٠٦] من سورة (التوبة).
الثالث: التخيير، وهو ما في الآية التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى: {قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} ومثلها الآية رقم [٦٥] من سورة (طه).
الرابع: الإباحة، نحو: (تعلّم إما فقها، وإما نحوا).