أي: رفع البناء لمستوى الجبلين. هذا؛ و {الصَّدَفَيْنِ} هما جانبا الجبل، سميا بذلك لتصادفهما، وتلاقيهما. هذا؛ ويقال لكل بناء مرتفع: صدف تشبيها له بجانب الجبل. وقيل: لا يقال للواحد صدف، وإنما يقال: صدفان للاثنين؛ لأن أحدهما يصادف الآخر. هذا؛ وقرئ {الصَّدَفَيْنِ} بقراءات كثيرة، لم يتغير فيهما المعنى، والإعراب. {قالَ انْفُخُوا} أي: قال للعمال: انفخوا النار في الأكوار على قطع الحديد. {حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً} أي: أصبحت قطع الحديد كالنار، وهذا مشاهد في الحديد إذا أحمي عليه بحرارة مرتفعة، فإنه يصير كالجمر المتقد. {قالَ آتُونِي..}. إلخ أي: أعطوني قطرا أصب عليه، فجعلت النار تأكل الحطب، وجعل النحاس يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس، والتأم، واشتد، ولصق البعض بالبعض. وهذا العمل أجراه على أدوار، وطاقات بعضها فوق بعض حتى صار السد جبلا صلدا. هذا؛ والقطر: النحاس عند أكثر المفسرين، وأصله من القطر؛ لأنه إذا أذيب قطر كما يقطر الماء. وقالت فرقة: القطر الحديد المذاب. وقالت أخرى: هو الرصاص المذاب، والمعتمد الأول، ومنه قوله تعالى في سورة (سبأ): {وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} الآية رقم [١٢].
هذا؛ وفيما تقدم من العمل كرامة ظاهرة لذي القرنين؛ حيث منع الله حرارة النار عن العملة الذين ينفخون بالأكوار، ويفرغون القطر مع أنّه كالنار، ومع أنّ الحديد المصبوب عليه كالنار، أو أشد، فلم تصبهم حرارة النار مع قربهم منها، بل ولمخالطتهم لها، فكأن الله تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك العاملين حتى تمكنوا من العمل في ذلك.
قال قتادة: صار السد كالبرد المحبّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. ويروى: أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! إني رأيت سدّ يأجوج ومأجوج قال: «كيف رأيته؟». قال:
رأيته كالبرد المحبّر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء وطريقة سوداء، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«قد رأيته».
وقيل: إن عرضه خمسون ذراعا، وارتفاعه مائة ذراع، وطوله فرسخ. وانظر ما ذكرته برقم [٩٤].
الإعراب:{آتُونِي:} فعل أمر، مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، والياء مفعول به أول. {زُبَرَ:} مفعول به ثان، و {زُبَرَ:} مضاف، و {الْحَدِيدِ:} مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول؛ لأنها من مقول ذي القرنين. {حَتّى إِذا ساوى} انظر الآية رقم [٩٣] فالإعراب فيها كاف. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل {ساوى،} أو هو متعلق بمحذوف حال من المفعول المحذوف، وهو البناء، و {بَيْنَ:} مضاف، و {الصَّدَفَيْنِ:} مضاف إليه مجرور... إلخ. قال: ماض، والفاعل يعود إلى {ذِي الْقَرْنَيْنِ} وجملة: {اُنْفُخُوا} في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..}. إلخ جواب (إذا)، لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له، وعلى قول الأخفش فحتى ومجرورها يتعلقان بمحذوف، التقدير: استمر في العمل حتى إذا.. إلخ، {حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي:} إعراب هذا الكلام مثل سابقه