للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركون: ودّعه ربه، وقلاه، ثم نزل ببيان ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: أبطأت علي يا أخي حتى ساء ظني، واشتقت إليك! فقال جبريل عليه الصلاة والسّلام: «إني كنت أشوق إليك، ولكني عبد مأمور؛ إذا بعثت؛ نزلت، وإذا حبست؛ احتبست». وما أحراك أن تنظر الآية رقم [٢٣] من سورة (الكهف).

{لَهُ} أي: لربك. {ما بَيْنَ أَيْدِينا} أي: علم ما بين أيدينا. {وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ:}

قال ابن عباس، وابن جريج: ما مضى أمامنا من أمر الدنيا، وما يكون بعدنا من أمرها وأمر الآخرة، وما بين ذلك من البرزخ. وقال قتادة، ومقاتل: {لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا} من أمر الآخرة، {وَما خَلْفَنا} أي: ما مضى من الدنيا، وما بين ذلك؛ أي: ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.

وقال البيضاوي: أي: وهو ما نحن فيه من الأماكن، والأحايين، لا ننتقل من مكان إلى مكان، أو لا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمر الله، ومشيئته. وانظر الآية [١١٠] من سورة (طه).

{وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا:} تاركا لك؛ أي: ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك، وتوديعه إياك، كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه.

هذا؛ وقيل: إن الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة، والمعنى: وما ننزل الجنة إلا بأمر الله، ولطفه، وهو مالك الأمور كلها السالفة، والمترقبة، والحاضرة، فما وجدناه وما نجده من لطفه، وفضله. {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا:} تقرير من الله لقولهم؛ أي: وما كان ربك ناسيا لأعمال العاملين، وما وعدهم من الثواب عليها. انتهى. بيضاوي، وعلى هذا القول فالآية متصلة بما قبلها، ومرتبطة بها، وعلى ما تقدم تكون غير متصلة بما قبلها، وشأنها مع اللاحقة لها كشأنها مع السابقة من الارتباط بها، وعدمه. تأمّل، وتدبر.

بعد هذا انظر شرح {رَبُّكُمْ} في الآية رقم [٨] من سورة (الإسراء)، وشرح: {بَيْنَ} في الآية رقم [٤٥] منها أيضا وانظر شرح (النسيان) في الآية رقم [٢٤] من سورة (الكهف)، هذا بالإضافة لما ذكرته في تفسير {أَيْدِينا} أقول: ف‍: (اليد) تستعمل في الأصل لليد الجارحة، وتطلق، ويراد بها القدرة، والقوة، كما في قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} كما تطلق على النعمة والمعروف، يقال: لفلان يد عندي؛ أي: نعمة، ومعروف، وإحسان، وتطلق على الحيلة، والتدبير، فيقال: لا يدلي في هذا الأمر؛ أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {نَتَنَزَّلُ:} مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «نحن»: {إِلاّ:} حرف حصر. {بِأَمْرِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال، و (أمر): مضاف، و {رَبِّكَ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية: {وَما نَتَنَزَّلُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {لَهُ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {بَيْنَ:} ظرف مكان

<<  <  ج: ص:  >  >>