للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رفعا منه لشأنه، كما رفع من شأن السماء، والأرض في قوله: {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ}. انتهى. نقلا من كرخي. هذا؛ والمراد: من إضافته إلى الرسول إضافته إلى الكاف المخاطب بها صلّى الله عليه وسلّم.

{ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} أي: باركين على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع لشدة ما هم فيه، لا يقدرون على القيام. وقيل: جاثين على الركب لضيق المكان. وقيل: إن البارك على ركبتيه صورته كصورة الذليل، قال تعالى: {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} فقد وصفوا بالجثوّ على العادة المعهودة في مواقف المقالات، أو؛ لأنه من توابع التوافق للحساب قبل التواصل إلى الثواب، والعقاب.

وإنما لم يفرق بينهم في المحشر، وأحضروا جميعا حول جهنم، وأورد السعداء النار، كما، أوردها الكفار، ليشاهد السعداء الأهوال التي نجاهم الله، وخلصهم منها، فيزدادوا سرورا إلى سرورهم، ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم، وتزداد حسرة الكافرين، ويشتد غيظهم من سعادة المؤمنين، وشماتتهم بهم. هذا؛ ويقرأ {جِثِيًّا} بكسر الجيم وفتحها، وعلى ما تقدم من الشرح فهو جمع: جاث، وأصله: جثوو، أو جثوي، فالأول: بواوين قلبت الواو الثانية ياء، ثم الأولى كذلك، وأدغمت الياء في الياء، والثاني: قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وعلى الوجهين كسرت الثاء لتصح الياء. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {جِثِيًّا} أي: جماعات. وقال مقاتل: جمعا جمعا، وهو على هذا التأويل جمع: جثوة بتثليث الجيم ثلاث لغات، وهي في الأصل الحجارة المجموعة، والتراب المجموع، فأهل الخمر على حدة، وأهل الزنى على حدة، وهكذا. قال طرفة بن العبد البكري في معلقته: [الطويل]

ترى جثوتين من تراب عليهما... صفائح صمّ من صفيح منضّد

الإعراب: {فَوَ رَبِّكَ:} الفاء: حرف استئناف. (وربك): متعلقان بفعل محذوف، تقديره أقسم، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.

{لَنَحْشُرَنَّهُمْ:} مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والفاعل مستتر تقديره:

«نحن»، والهاء مفعول به، والميم علامة جمع الذكور، واللام واقعة في جواب القسم، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب القسم، والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له.

{وَالشَّياطِينَ:} معطوف على الضمير المنصوب، أو هو مفعول معه، والواو بمعنى: مع، ورجح هذا على الأول. {ثُمَّ:} حرف عطف. {لَنُحْضِرَنَّهُمْ:} هو مثل سابقه في إعرابه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {حَوْلَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، و {حَوْلَ:} مضاف، و {جَهَنَّمَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {جِثِيًّا:} حال من الضمير المنصوب. وقيل: هو مفعول مطلق، وليس بشيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>