للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجعل لي في قلوب المؤمنين مودّة». فنزلت الآية. ذكره الثعلبي. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت في عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-، جعل الله له في قلوب العباد مودة، لا يلقاه مؤمن إلا وقّره، ولا مشرك، ولا منافق إلا عظّمه

الشرح: (الود): المحبة، والمودة، وهو بتثليث الواو، والمعنى: سيجعل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات محبة في قلوب عباده المؤمنين بالإضافة إلى محبته لهم، والسين؛ لأن السورة مكية، وكانوا ممقوتين معذبين بين الكفرة، فوعد ذلك سبحانه لهم في المستقبل إذا انتشر الإسلام، وقد حقق وعده، وأنجزه بعد الهجرة.

أقول: وخصوص السبب لا يمنع التعميم، فكل من آمن بالله الإيمان الصحيح، وتحلى بالعمل الصالح، وابتعد عن إيذاء العباد يحبّه الناس، ويودونه. وذلك دليل واضح على محبة الله له، وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى إذا أحبّ عبدا؛ دعا جبريل عليه السّلام، فقال: إني أحبّ فلانا، فأحبّه، فيحبّه جبريل، ثمّ ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحبّ فلانا، فأحبّوه، فيحبّه أهل السّماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا؛ دعا جبريل عليه السّلام. وقال: إني أبغض فلانا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانا، فأبغضوه. قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض». أخرجه مسلم. هذا؛ ولا تنس: الاحتراس الذي ذكرته لك في الآية رقم [٣٠] من سورة (الكهف) وغيرها.

هذا؛ وكان هرم بن حيان يقول: ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم، ورحمتهم. وقال كعب الأحبار: مكتوب في التوراة:

لا محبة لأحد في الأرض، حتى يكون ابتداؤها من الله عز وجل، ينزلها على أهل السماء، ثم على أهل الأرض. انتهى. هذا، ولا عبرة لبغض أهل الضلال، والفساد أهل التقوى، والإيمان، وفي الحديث الشريف: «يعطى المؤمن مقة في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجّار».

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها، وجملة: {آمَنُوا:} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة:

{وَعَمِلُوا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {الصّالِحاتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم وهو صفة لموصوف محذوف؛ إذ التقدير: وعملوا الأعمال الصالحات. {سَيَجْعَلُ:} السين: حرف استقبال، وتنفيس. (يجعل):

مضارع. {لَهُمُ:} متعلقان به. {الرَّحْمنُ:} فاعله. {وُدًّا:} مفعول به، وجملة: {سَيَجْعَلُ..}.

<<  <  ج: ص:  >  >>