تنبيه: قال البيضاوي رحمه الله تعالى في هذا الكلام تفخيم لشأن المنزّل بعرض تعظيم المنزل؛ أي: القرآن، بذكر أفعاله وصفاته على الترتيب الذي هو عند العقل، فبدأ بخلق السموات والأرض التي هي أصول العالم، وقدم الأرض؛ أي: في الآية السابقة؛ لأنها أقرب إلى الحسّ، وأظهر عنده من السموات العلى، ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات، وتدبير أمرها بأن قصد العرش، فأجرى منه الأحكام، والتقادير، وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسبما اقتضته حكمته، وتعلقت به مشيئته، فقال {الرَّحْمنُ..}. إلخ ليدل بذلك على كمال قدرته، وإرادته، ولما كانت القدرة تابعة للإرادة-وهي لا تنفك عن العلم-عقب ذلك بإحاطة علمه بجليات الأمور، وخفياتها على سواء، فقال:{وَإِنْ تَجْهَرْ..}. إلخ.
هذا؛ و «استوى» له في اللغة معان كثيرة. قال في «القاموس»: استوى الشيء: اعتدل، واستقام، يقال: سويت الشيء، فاستوى، واستوى الرجل: استقام أمره، وانتهى شبابه، وبلغ أشده. قال تعالى في حق موسى-على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى..}. إلخ. واستوى عليه: ظهر واستولى. واستوى على ظهر الدابة: استقر، وثبت.
واستوى على سرير الملك: كناية عن التملك. واستوى إلى الشيء: قصده. قال تعالى في الآية رقم [١١] من سورة (فصلت): {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ..}. إلخ. واستوى الطعام: نضج، والفاكهة: نضجت، وطاب أكلها. هذا؛ و {اِسْتَوى} هنا بمعنى: استولى، وقهر. هذا مذهب الخلف. ومذهب السلف: استوى استواء يليق به.
أما {الثَّرى} بالقصر، فهو التراب الندي، فإن لم يكن نديا؛ فهو تراب، ولا يقال له حينئذ:
ثرى، وفي اللسان وغيره: شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى؛ أي: تكون الأرض ندية أولا، ثم ترى الخضرة، ثم يطول النبات حتى يصلح للرعي. هذا؛ والثراء بالمد: الغنى، وكثرة المال. والثري الغني، وكثير المال.
الإعراب:{الرَّحْمنُ:} مبتدأ، {عَلَى الْعَرْشِ:} متعلقان بالفعل بعدهما. {اِسْتَوى:} ماض، وفاعله يعود إلى الرحمن، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ وأجيز اعتبار {الرَّحْمنُ} خبرا لمبتدإ محذوف، التقدير: هو الرحمن، وعليه فالجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ المحذوف، أو هي في محل نصب حال من {الرَّحْمنُ} كما أجيز اعتبار {الرَّحْمنُ} بدلا من فاعل {خَلَقَ} فتبقى الجملة الفعلية حالا. وقال القرطبي: ويجوز النصب على المدح، فتبقى الجملة الفعلية حالا، ولكن لم أر من قرأ بالنصب. هذا؛ وقرئ بالجر بدلا من الموصول، فتبقى الجملة الفعلية حالا. وقال الزمخشري: هي خبر مبتدأ محذوف لا غير، ولا أراه قويا. {لَهُ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة {ما،} أو صفتها، والجملة الاسمية