للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نعمة الخضرة تغيّران حسن ضوء النهار. {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ} أي: بشعلة، أو بجمرة.

{أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً} أي: هاديا يهديني، ويدلني على الطريق، ولما كان حصول الاثنين مترقبا متوقعا، وليس محققا بناه على الرجاء بخلاف الإيناس فإنه كان محققا، فلذا حققه. هذا؛ ومعنى الاستعلاء في قوله: {عَلَى النّارِ} أن أهلها مشرفون عليها، أو هم مستعلون على المكان القريب منها، ومثله قول الأعشى من قصيدة مدح بها المحلّق: [الطويل]

تشبّ لمقرورين يصطليانها... وبات على النّار النّدى والمحلّق

هذا؛ وفي سورة (النمل) قوله تعالى: {سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وفي سورة (القصص) قوله تعالى: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} والمعنى واحد، واختلاف الألفاظ لشحذ الأذهان، ويورث لذة على الأسماع، وهو دليل واضح على بلاغة القرآن الذي أخرس الفصحاء، وأسكت البلغاء من العرب، وما يتذكر إلا أولو الألباب. وقال بعضهم: لا منافاة بين هذه الأشياء، فهو تعالى ذكر الكل، إلا أنه حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء.

هذا؛ و {آنَسْتُ:} أبصرت، والإيناس: الإبصار البين، الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين؛ لأنه يبصر به الأشياء، و (القبس): الجذوة من النار.

بعد هذا فالفعل «أتى» يستعمل لازما؛ إذا كان بمعنى: حضر، وأقبل، وقرب كما في قوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ..}. إلخ ويستعمل متعديا إذا كان بمعنى: وصل، وبلغ، كما في هذه الآية، ونحوها. ومثله: «جاء» في التعدية، واللزوم مع اختلاف اللفظ واتفاق المعنى. هذا؛ و {مُوسى} أصله: (موشى) مركّبا من اسمين: الماء، والشجر، فالماء يقال له في العبرانية: (مو) والشجر يقال له: (شا) فعربته العرب. وقالوا: موسى بالسين، وسبب تسميته بذلك: أن امرأة فرعون التقطته من نهر النيل بين الماء، والشجر لما ألقته أمه فيه، كما ستعرفه قريبا، أما «النار» فأصلها النّور، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فهي في المؤنث المجازي، وقد تذكر، وتصغيرها: نويرة، والجمع: أنور، ونيران، ويكنى بها عن جهنم التي سيعذب الله بها الكافرين، والفاسقين من أبناء المسلمين، والفعل: نار، ينور، ويستعمل لازما، ومتعديا إذا بدئ بهمزة التعدية، كما في قولك: أنارت الشمس الكون. وانظر شرح (الأهل) في الآية رقم [٧١] من سورة (الكهف)، وإعلال {هُدىً} في الآية رقم [١٣] منها، وإعلال {أَجِدُ} مثل إعلال {تَزِرُ} في الآية رقم [١٥] من سورة (الإسراء).

الإعراب: {وَهَلْ:} الواو: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام. وانظر الشرح.

{أَتاكَ:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {حَدِيثُ:} فاعله، وهو مضاف، و {مُوسى:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية

<<  <  ج: ص:  >  >>