للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: فقيل: {اِشْرَحْ لِي} {وَيَسِّرْ لِي} فعلم أن ثمّ مشروحا، وميسرا، ثم بين، ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح، والتيسير لصدره، وأمره. انتهى. هذا؛ وشيء آخر يلحظ من ذكرهما، وهو الاعتراف بنعمة الله تعالى، وأن شرح الصدر، وتيسير الأمر لا يكونان إلا منه تعالى.

{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي:} المراد بالعقدة التي كانت بلسانه: الرّتّة التي حصلت من الجمرة التي التقمها، وذلك: أن موسى ربّي في حجر فرعون، فكان يلاعبه ذات يوم، فلطم موسى فرعون لطمة على وجهه، وأخذ بلحيته، فقال فرعون لامرأته آسية بنت مزاحم، وهي بنت عمّ موسى: إن هذا عدوي، وأراد قتله، فقالت له آسية عليها السّلام: إنه صبي لا يعقل، جربه؛ إن شئت، فجاءت بطستين، في أحدهما جمر، وفي الآخر جوهر. وقيل: تمر، فوضعتهما بين يدي موسى؛ وفرعون ينظر، فأراد أن يأخذ الجوهر، فأخذ جبريل-عليه السّلام-يد موسى عليه السّلام، فوضعها على الجمر، فأخذ جمرة، فوضعها في فمه، فاحترق لسانه، وصارت فيه عقدة ومعنى {يَفْقَهُوا قَوْلِي} يفهموه. هذا؛ ولقد اختلف في زوال العقدة بكمالها، فمن قال به تمسك بقوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى} ومن لم يقل به فقد احتج بقوله تعالى: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً} وقوله: {وَلا يَكادُ يُبِينُ}.

{وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي} أي: معينا، وظهيرا، والوزير: من يوازرك، ويحتمل عنك بعض ثقل عملك. أو هو من الوزر، وهو الملجأ؛ لأن الملك يعتصم برأيه، ويلجأ إليه في أموره العظام، ومنه قوله تعالى: {كَلاّ لا وَزَرَ} ثم عين الوزير بقوله: هارون أخي، وكان هارون عليه السّلام أكبر من موسى، وأفصح لسانا، وأجمل، وأوسم، وكان أبيض اللون، وكان موسى آدم أقنى جعدا، وكان هارون ألين عريكة من موسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم ألف ألف ألف صلاة، وألف ألف ألف سلام.

{اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أي: قوّ به ظهري، واجعله سندا في أموري. {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي: في أمر النبوة وتبليغ الرسالة. هذا؛ وكان هارون عليه السّلام بمصر في أهله، فأمر الله موسى أن يأتي هو، وهارون فرعون، وأوحى الله إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى، فتلقاه إلى مرحلة، وأخبره بما، أوحى إليه، فقال له موسى: إن الله أمرني أن آتي فرعون، وسألت ربي أن يجعلك معي رسولا.

{كَيْ نُسَبِّحَكَ} أي: نصلي لك، ونعبدك، ونقدسك. {وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً:} وفحواه: أن التعاون على الأمور يهيج الرغبات ويؤدي إلى تزايد الخير، وتكاثره، وهذا ملموس في الحضور إلى المساجد، فإن المسلم تشتد رغبته في العبادة، ويكثر نشاطه حينما يرى إخوانه يسبقونه إلى المساجد، {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ}. {إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً:} عالما بأحوالنا، وتصرفاتنا، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>