وكان اسمه: حزقيل. {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ:} فاطرحيه في نهر النيل، و {الْيَمِّ} في الأصل: البحر، فأطلق على نهر النيل لعظمه.
{فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ} أي: شاطئ النهر، وكانت أمه قد جعلت فيه قطنا، ووضعت فيه موسى، وقيّرت رأسه، وشقوقه، ثم ألقته في النيل، وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر صغير، فدفعه الماء إليه، فأداه إلى بركة في البستان، وكان فرعون جالسا على رأسها مع امرأته:
آسية بنت مزاحم، فأمر به ففتح، فإذا فيه صبي أصبح الناس وجها، فأحبه حبا شديدا، وذلك قوله تعالى:{يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} وقيل: كان لفرعون بنت برصاء، فقال له الأطباء: لا تبرأ إلا من قبل البحر، يوجد فيه شبه إنسان، دواؤها ريقه، فلما رأته البنت أخذت من ريقه فلطخت به برصها، فبرئت. هذا؛ وقوله:{فَلْيُلْقِهِ..}. إلخ أمر بمعنى: الخبر، مثل رقم [٧٥] من سورة (مريم).
هذا؛ وقيل: جعل الله في عيني موسى عليه السّلام ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه، وعطف عليه. وفي محبة فرعون لموسى عليه السّلام هنا تناقض مع قوله تعالى في سورة (القصص):
{وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ..}. إلخ فقال فرعون لها: أمّا لك فنعم، وأمّا لي فلا، فروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«لو أنّ فرعون قال: نعم قرة عين لي ولك؛ لآمن وصدّق».
فقالت: هبه لي، ولا تقتله، فوهبه لها، والتوفيق بين ما هنا وبين آية القصص أن يقال: المراد محبة من رآه من الناس أجمعين، أما محبة فرعون له، فهي حماية الله له من أن يقتله فرعون، بل في تبنيه له بعد ذلك، وتربيته في بلاطه تربية دلال، وعزة، ورفاهية. وانظر سورة (القصص) فالكلام فيها، أوفى، وأتم. هذا؛ وفي إسناد الإلقاء إلى اليم، وهو لا يعقل تمثيل لمشيئة الله تعالى وإرادته التي لا تخطئ، ولا يعزب عنها شيء، فأسند إليه الإلقاء المقرر في علم الله الأزلي كأنه عاقل ذو تمييز يطيع، ويمتثل ما يؤمر به.
{وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} أي: تربى، وتغذى على مرأى مني، بل وبعنايتي، ورعايتي. هذا؛ وانظر شرح {عَيْنٍ} في الآية رقم [٨٦] من سورة (الكهف)، أما {عَدُوٌّ} فهو ضد الصديق، وهو على وزن فعول بمعنى: فاعل، مثل: صبور، وشكور، وما كان على هذا الوزن يستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث إلا لفظا واحدا جاء نادرا. قالوا: هذه عدوّة الله. قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} وقال تعالى حكاية عن قول إبراهيم عليه السّلام: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} والجمع: أعداء، وأعاد، وعدات وعدى. وقيل: أعاد جمع: أعداء، فيكون جمع الجمع، وفي القاموس المحيط: والعدا بالضم والكسر اسم الجمع.
الإعراب:{أَنِ:} حرف تفسير. وقيل: حرف مصدري. {اِقْذِفِيهِ:} أمر مبني على حذف النون، والياء فاعله، والهاء مفعول به. وانظر إعراب (اشربي) في الآية رقم [٢٦] من سورة