أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الرّوح، والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوّا، وعشيّا، فيصل إليهم الوجع، والألم. وفي هذه الآية دلالة على: أنّ الأرواح جواهر قائمة بنفسها، مغايرة لما يحسّ به من البدن، تبقى بعد الموت داركة. وعليه جمهور الصّحابة، والتابعين، وبه نطقت الآيات، والسّنن، وعلى هذا فتخصيص الشّهداء لاختصاصهم بالقرب من الله، ومزيد البهجة والكرامة. انتهى. بيضاوي، وغيره بتصرّف. ففيه دليل على أن المطيعين لله يصل إليهم ثوابهم. وهم في قبورهم، وكذا العصاة يعذبون في قبورهم، والنعيم والعذاب في القبر، إنما هو للروح فقط؛ لأنّ الجسد يطرأ عليه الفناء كما هو معروف. {وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ} أي: لا ترونهم أحياء، فتعلمون ذلك حقيقة، وإنما تعلمون ذلك بإخباري إيّاكم. هذا؛ والثابت في القرآن والسنة النبوية: أن جميع المطيعين من المسلمين، يصل إليهم من نعيم الجنة في قبورهم، وإنما خص الشهداء بالذكر؛ لأنهم فضلوا على غيرهم بمزيد من النعيم، والتكريم، والتعظيم، وعلوّ الدّرجات، وكثير النفحات، والبركات. وخذ ما يلي:
فعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه-: أنّه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة؛ فقد وجبت له الجنّة، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا، ثمّ مات، أو قتل؛ فإنّ له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله، أو نكب نكبة؛ فإنّها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزّعفران، وريحها ريح المسك». رواه أبو داود، والتّرمذيّ.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-. أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إنّ في الجنّة مائة درجة، أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدّرجتين، كما بين السّماء والأرض». رواه البخاريّ.
وعن أنس-رضي الله عنه-عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما أحد يدخل الجنّة يحبّ أن يرجع إلى الدّنيا، وإنّ له ما على الأرض من شيء إلاّ الشّهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع إلى الدّنيا، فيقتل عشر مرّات؛ لما يرى من الكرامة». وفي رواية:«لما يرى من فضل الشّهادة». رواه الشيخان، وغيرهما.
وعنه أيضا-رضي الله عنه-: أنّ الرّبيّع بنت البراء-رضي الله عنها-وهي أمّ حارثة بن سراقة-أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله! ألا تحدّثني عن حارثة-وكان قتل يوم بدر-فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك؛ اجتهدت عليه في البكاء! فقال:«يا أمّ حارثة إنّها جنان، وإنّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى». أخرجه البخاريّ. وانظر الآية رقم [١٩٥] من سورة (آل عمران) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب:{وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): ناهية جازمة. {تَقُولُوا:} فعل مضارع مجزوم ب ({لا}) وعلامة جزمه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، ولا محل لها على الاعتبارين.