نعمته عليهم، ولعلك تدرك معي: أن موسى عليه السّلام لقي منهم عناء، وذلك لما طبعوا عليه من خبث، ومكر، وفسوق. {وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ:} هذا الوعد كان لطلب التوراة التي وعدهم إياها موسى قبل إهلاك فرعون وجنوده، وإنما قال:(واعدناكم) لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم، وبها قوام دينهم، وشريعتهم، وفيها أفاض الله عليهم من سائر نعمه، وأرزاقه، وبقيت دستورهم، ومصدر حكمهم حتى جاء عيسى عليه السّلام بالإنجيل، وما أحراك أن تنظر ما حصل لهم عند ما سمعوا كلام الله تعالى في الآية رقم [١٥٥] من سورة (الأعراف)، أما {الْمَنَّ} فكان ينزل عليهم مثل الثلج من الفجر إلى طلوع الشمس، لكل إنسان صاع، وهو أحلى من السكر، و (السلوى) نوع من الطير يسمى السّمانى، فحشره عليهم ريح الجنوب فيذبح الرجل ما يكفيه، وعياله، وهذا كان في التيه المذكور في الآية رقم [٢٦] من سورة (المائدة). هذا؛ والكلام يحتمل أن يكون في محل نصب مقول القول، كما يحتمل أن يكون من تذكير اليهود الموجودين في عهد محمد صلّى الله عليه وسلّم، بما أنعم الله على آبائهم الأولين، وكذلك التوبيخ، والتقريع الموجه إليهم بما فعل آباؤهم من عبادة العجل، ونقض العهود، وخلف الوعود، وغير ذلك من سيئ الأفعال، وفاحش الفعال، والأقوال.
وانظر شرح {إِسْرائِيلَ} في الآية رقم [٢] من سورة (الإسراء)، وشرح (عدو) في الآية رقم [٣٩]، وانظر شرح (الوعد) في الآية رقم [٥٤] من سورة (مريم) على نبينا، وحبيبنا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام.
الإعراب:{يا بَنِي:}(يا): حرف نداء ينوب مناب: «أدعو». (بني): منادى منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر، وحذفت النون للإضافة، و (بني): مضاف، و {إِسْرائِيلَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة، أو التركيب المزجي. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَنْجَيْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، أو هي في محل نصب حال من {بَنِي إِسْرائِيلَ،} والرابط: الضمير فقط، والعامل (يا)، لما فيها من معنى الفعل. {مِنْ عَدُوِّكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَواعَدْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {جانِبَ:} مفعول به ثان وهو على حذف مضاف؛ أي: إتيان جانب، والجملة الفعلية: معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها، و {جانِبَ:} مضاف، و {الطُّورِ:} مضاف إليه. {الْأَيْمَنَ:} صفة جانب. {وَنَزَّلْنا:} فعل، وفاعل. {عَلَيْكُمُ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الْمَنَّ:} مفعول به.
{وَالسَّلْوى:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، وأخيرا فالآية في محل نصب مقول القول، أو هي مستأنفة، لا محل لها، انظر الشرح. هذا؛ وقرئ «الأيمن» بالجر على الجوار، أفاده الزمخشري.