مصباحه ذات ليلة، واسترجع، فقالت له عائشة-رضي الله عنها-: أوتعدّ هذا مصيبة؟ قال:
«نعم...» إلخ. هذا؛ وأصاب فلانا البلاء: وقع عليه، وأصابهم المطر: نزل عليهم. قال تعالى في سورة (الروم) رقم [٤٨]: {فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. وتقول:
أصاب السّهم، يصيب، فلم يخطئ هدفه، وأصاب الرجل في قوله، أو في رأيه: أتى بالصواب ويأتي (أصاب) بمعنى قصد، وأراد، قال تعالى في حقّ سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ}. وقال الشاعر: [المتقارب]
أصاب الكلام فلم يستطع... فأخطأ الجواب لدى المفصل
{قالُوا إِنّا لِلّهِ:} ملكا، وخلقا، وعبيدا، يتصرّف فينا كيف يشاء. فهو توحيد، وإقرار بالعبودية لله. {وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} أي: في الآخرة بعد الموت، فيجازينا بأعمالنا قولا، وفعلا، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، فكل من مات، وخرجت روحه من بين جنبيه، فقد رجع إلى الله، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من مات فقد قامت قيامته». والجملة إقرار بالهلاك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين: أنّ رجوع الأمر كلّه إلى الله تعالى.
تنبيه: هذه الجملة: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} لم يعطها الله لأمة قبل أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولم يهبها لنبيّ قبل محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولو أطلع الله عليها يعقوب لم يقل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} عند فقد يوسف، ثم أعادها عند فقد أخيه بنيامين، لذا فهي من الكنوز الّتي ادّخرها الله لهذه الأمّة، وخذ ما يلي:
عن أمّ سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم-رضي الله عنها-قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}، اللهمّ اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها إلاّ أجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرا منها». قالت: فلمّا مات أبو سلمة؛ قلت:
أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل بيت هاجر إلى الله، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم: ثمّ إني قلتها، فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذيّ.
وعن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصيب بمصيبة، فذكر مصيبته، فأحدث استرجاعا-وإن تقادم عهدها-كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب». رواه ابن ماجة. فهذا تنبيه على قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ} مع الاسترجاع إمّا بالخلف، كما أخلف لأم سلمة من هو خير من أبي سلمة كما رأيت، وإمّا بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، كما في حديث أبي موسى المذكور في آخر الآية السابقة. وقد يكون بهما معا، والله ذو الفضل العظيم.
تنبيه: من أعظم المصائب المصيبة في الدّين عند من يعقل، ولكن أكثر المسلمين في هذه الأيام بمعزل عن هذا، يهدم من دينهم كلّ يوم ركن، وأركان، من صوم، وصلاة، وحجّ،