الموزونة به، وأفرد القسط؛ لأنه مصدر وصف به للمبالغة، و «ميزان» أصله: موزان، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ومثله: ميعاد، وميثاق، وميراث، وميقات... إلخ.
{لِيَوْمِ الْقِيامَةِ} أي: لجزاء يوم القيامة، أو لحساب أهله، أو المعنى: في يوم القيامة، كقولك: جئت لخمس خلون من الشهر. هذا؛ والقيامة، أصلها القوامة؛ لأنها من: قام، يقوم، قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة قبلها. {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} أي: بزيادة سيئة، أو نقصان حسنة. {وَإِنْ كانَ} أي: العمل الذي عمله العبد في الدنيا. {مِثْقالَ حَبَّةٍ} أي: مقدار، أو وزن حبة. {مِنْ خَرْدَلٍ:} هذا نبات له حب صغير جدا، أسود، واحدته خردلة يقال: إن الحس لا يدرك لها ثقلا؛ إذ لا ترجح ميزانا. {أَتَيْنا بِها:} أحضرناها، وأوجدناها، ويقرأ:
«(آتينا بها)» بالمد بمعنى: جازينا بها. {وَكَفى بِنا حاسِبِينَ:} محاسبين. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: كفى بنا عالمين حافظين؛ لأن من حسب شيئا؛ فقد علمه، وحفظه.
والغرض منه التحذير، فإن المحاسب إذا كان في العلم بحيث لا يمكن أن يشتبه عليه شيء، وفي القدرة بحيث لا يعجز عن شيء، فحقيق بالعاقل أن يكون أشد الخوف منه، ويروى: أن الشبلي -رحمه الله تعالى-رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: [مجزوء الخفيف]
حاسبونا فدققوا... ثمّ منّوا فأعتقوا
هكذا سيمة الملو... ك بالمماليك يرفقوا
تنبيه: والحكمة من وزن الأعمال مع علم الله تعالى بمقاديرها تتجلى فيما يلي:
منها: إظهار العدل الإلهي، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة. ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى. ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير، وشر، وحسنة، وسيئة. ومنها: إظهار علامة السعادة، والشقاوة. وإن أردت الزيادة فانظر الآية رقم [٨ و ٩] من سورة (الأعراف)، وانظر وزن أعمال الكافرين في الآية [١٠٥] من سورة (الكهف) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب: {وَنَضَعُ:} الواو: حرف استئناف. (نضع): مضارع، والفاعل مستتر تقديره:
«نحن». {الْمَوازِينَ:} مفعول به. {الْقِسْطَ:} صفة له، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها.
{لِيَوْمِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الْقِيامَةِ:} مضاف إليه. {فَلا:} الفاء:
حرف عطف. (لا): نافية. {تُظْلَمُ:} مضارع مبني للمجهول. {نَفْسٌ:} نائب فاعل. {شَيْئاً:}
مفعول به ثان، وقيل: نائب مفعول مطلق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
{وَإِنْ:} الواو: حرف استئناف، وقيل: عاطفة. (إن): حرف شرط جازم. {كانَ:} ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمها ضمير مستتر. انظر الشرح. {مِثْقالَ:}
خبر {كانَ}. هذا؛ ويقرأ برفعه على اعتبار (كان) تامة، وهو فاعلها، و {مِثْقالَ} مضاف،