هينون، خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وقيل: قاله نمرود بن كنعان بن سنحاريب، بن نمرود، بن كوش، بن حام، بن نوح النبي على نبينا وحبيبنا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ألف صلاة وألف سلام. وما أحراك أن تقف هنا وقفة قصيرة؛ لتنظر ما ذكرته لك في الآية رقم [٢٥٨] من سورة (البقرة).
{حَرِّقُوهُ} أي: في النار، فإنها أهول ما يعاقب به، وأفظع. {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ:} بالانتقام لها. {إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ:} ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا بإحراقه؛ لأنه يسبها، ويعيبها. هذا؛ وجاء في الخبر: أن نمرود بنى صرحا، طوله ثمانون ذراعا، وعرضه أربعون، وحبسوا إبراهيم عليه الصلاة والسّلام في بيت، وبنوا بنيانا كالحظيرة بقرية، يقال لها: كوثى، ثم جمعوا له الحطب شهرا، حتى كان الرجل يمرض، فيقول: لئن عوفيت؛ لأجمعن حطبا لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر فيما تطلب، لئن أصابته؛ لتحتطبن في نار إبراهيم، وكانت المرأة تغزل، وتشتري الحطب بغزلها، احتسابا في دينها، فلما جمعوا ما أرادوا، وأشعلوا في كل ناحية من الحطب نارا، فاشتعلت النار، واشتدت، حتى إنّ الطير ليمر بجنباتها، فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم، لم يعلموا كيف يلقونه؟! فقيل: إن إبليس جاءهم، وعلمهم عمل المنجنيق. فعملوه، ثم عمدوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فقيدوه، ورفعوه على رأس البنيان، ووضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا، فضجت السموات والأرض، ومن فيهن من الملائكة، وجميع الخلق إلا الثقلين ضجة واحدة: ربنا إبراهيم خليلك يلقى في النار، وليس في الأرض أحد يعبدك غيره؛ فائذن لنا في نصرته.
فقال الله تعالى: إنه خليلي ليس لي خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري، فإن استغاث بأحد منكم، أو دعاه؛ فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري، فأنا أعلم به، وأنا وليه، فخلوا بيني وبينه، فلما أرادوا إلقاءه في النار؛ أتاه خازن المياه، وقال: إن أردت؛ أخمدت النار، وأتاه خازن الهواء، وقال: إن شئت؛ طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم عليه الصلاة، والسّلام: لا حاجة لي إليكم! ثم رفع رأسه إلى السماء، فقال:(اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل). وروى أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن إبراهيم عليه السّلام، قال حين أوثقوه؛ ليلقوه في النار:(لا إله إلاّ أنت سبحانك، لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك) ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، فاستقبله جبريل عليه السّلام، فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ فقال: أما إليك؛ فلا! فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال:(حسبي من سؤالي علمه بحالي) فقال الله تعالى: {قُلْنا يا نارُ..}. إلخ.
عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى:{وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قال:
قالها إبراهيم-عليه الصلاة والسّلام-حين ألقي في النار، وقالها محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قال لهم الناس: