الضيف، ويبلغ ابن السبيل، شاكرا؛ لأنعم الله عليه، وأنه دخل مع قومه على جبار عظيم، فخاطبوه في أمر، وجعل أيوب يلين له في القول، من أجل زرع كان له، فامتحنه الله بذهاب ماله، وأهله، وبالضر في جسمه؛ حتى تآكل، وتناثر لحمه، فابتعد عنه الناس، وهجره الأصحاب، والأقرباء، وكانت امرأته تخدمه. قال الحسن: مكث بذلك تسع سنين، وستة أشهر، فلما أراد الله أن يفرج عنه، قال الله تعالى له:{اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} فيه شفاؤك، وقد وهب لك أهلك، ومالك، وولدك، ومثلهم معهم، انتهى. قرطبي. هذا؛ وذكر أيضا: أنه اختلف في تفسير {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} على ستة عشر قولا، وكلها لا حاجة إليها، بعد أن عرفنا: أن الضر هو ما أصيب به من فقد الولد، والمال، ومرض الجسم.
قال المرحوم عبد الوهاب النجار: إن الناس يروون في بلاء أيوب أقوالا، يوردونها، تدل على أنه مرض مرضا مشوها، ومنفرا للناس من قربانه، والدنو منه، وهذا يتنافى مع منصب النبوة، وقد قرر علماء التوحيد أن الأنبياء منزهون عن الأمراض المنفرة، فكيف يتفق ذلك مع منصب النبوة؟! والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن الابتلاء على الوجه الأول الذي يقولون كان قبل النبوة، وأن منحة النبوة إنما كانت لما بدا منه من الصبر، والرضا بما أصابه من مكروه، وملازمته جانب الرضا عن الله تعالى.
الثاني: أن المبالغين في ضر أيوب إنما اعتمدوا فيما يقولون على ما جاء عند أهل الكتاب في السّفر المسمى سفر أيوب، وإذا ثبت: أن هذا السفر حقيقي، فعبارته مؤولة؛ أي: مؤولة على المبالغة في ذلك على نحو ما جاء في الشعر العربي، وأورد أبياتا شعرية كثيرة شواهد لذلك.
أقول: أما قوله: إن الابتلاء كان قبل النبوة، وأن منحة النبوة... إلخ يبطله أن ابتلاءه بما ذكر كان بعد أن بلغ من العمر ثمانين سنة، والمعروف أن الرسالة والنبوة إنما كانت تمنح للرسول على رأس الأربعين سنة على أكثر تقدير، فلم يبق إلا المبالغة في ذلك؛ حتى خرجت عن حد المعقول الذي يحط من مقام النبوة، وأقبح من ذلك ما ذكره الخازن نقلا عن الثعلبي:
أن الله سلط إبليس على ماله، وولده، وجسمه، فهو الذي فعل كل ما أصاب أيوب من بلاء.
الإعراب:{وَأَيُّوبَ:} الواو: حرف عطف. (أيوب): مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكر أيوب، أو التقدير: اذكر خبر أيوب: {إِذْ:} ظرف مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل المحذوف، أو هو بدل من (أيوب)، أو من خبر (أيوب) المقدر. {نادى:} ماض، وفاعله يعود إلى أيوب، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {رَبَّهُ:} مفعول به.
والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَنِّي:} حرف