ويحذف الدعاء إذا عدّي إلى الداعي في الغالب، فيقال: استجاب الله دعاءه، أو استجاب له، ولا يكاد يقال: استجاب له دعاءه، وأما البيت؛ فمعناه: لم يستجب دعاءه على حذف المضاف.
{وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ} أي: من غم الالتقام في بطن الحوت، أو من غم الخطيئة التي ارتكبها كما رأيت في الآية السابقة. {وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: نخلصهم من همومهم، ومتاعب حياتهم بما سبق من عملهم الصالح، وقد بين الله ذلك في سورة (الصافات): {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس رعى له حق تعبده، وحفظ زمام ما سلف له من الطاعة. وقال الأستاذ أبو إسحاق: صحب ذو النون الحوت أياما قلائل، فإلى يوم القيامة، يقال له: ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة يبطل هذا عنده؟ لا يظن به ذلك انتهى. هذا؛ ومدة مكثه في بطن الحوت أربعون يوما، أو سبعة أيام، أو ثلاثة أيام.
هذا؛ ويقرأ الفعل {نُنْجِي} بالنون، وهي قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر: «(نجّي)» بنون واحدة وجيم مشددة، وتسكين الياء على الفعل الماضي، وإضمار المصدر. أي: وكذلك نجّي النّجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب زيدا، بمعنى ضرب الضرب زيدا، قال جرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق:[الوافر]
ولو ولدت قفيرة جرو كلب... لسبّ بذلك الجرو الكلابا
أراد لسبّ السّبّ بذلك الجرو، وسكنت ياؤه على لغة من يقول: بقي، ورضي، فلا يحرك الياء، وقرأ الحسن قوله تعالى: {(ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)} رقم [٢٧٧] من سورة (البقرة)، استثقالا لتحريك ياء قبلها كسرة، قال الشاعر:[الخفيف]
خمّر الشيب لمّتي تخميرا... وحدا بي إلى القبور البعيرا
ليت شعري إذا القيامة قامت... ودعي بالحساب أين المصيرا؟
سكن الياء في «دعي» استثقالا لتحريكها، وقبلها كسرة، وفاعل «حدا» المشيب؛ أي: وحدا المشيب البعير، ليت شعري المصير أين هو؟ هذا تأويل الفراء، وأبي عبيد وثعلب في تصويب هذه القراءة، وخطأها أبو حاتم، والزجاج، وقالوا: هو لحن؛ لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله، وإنما يقال: نجّي المؤمنون، كما يقال: كرّم الصّالحون، ولا يجوز أن يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله تعالى. قال ابن هشام في المغني: وفي هذه القراءة ضعف من جهات:
إسكان آخر الماضي، وإنابة ضمير المصدر مع أنه مفهوم من الفعل، وإنابة غير المفعول به مع وجوده. انتهى. قال النحاس: ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان، قال: الأصل ننجي، فحذف إحدى النونين لا جتماعهما، كما تحذف إحدى التاءين لا جتماعهما،