ومعنى {عَلى حَرْفٍ:} على شك، وحقيقته: أنه على ضعف في عبادته، كضعف القائم على حرف مضطرب فيه، وحرف كل شيء طرفه، وشفيره، وحده، ومنه: حرف الجبل، والحائط الذي غير مستقر، فقيل للشاك في الدين: إنه يعبد الله على حرف؛ لأنه لم يدخل فيه على الثبات، والتمكن. {فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ} أي: صحة في جسمه، وسعة في معيشته. {اِطْمَأَنَّ بِهِ:}
رضي به، وسكن إليه. {وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ:} بلاء في جسمه، وضيق في معيشته. {اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ} أي: ارتد، ورجع على عقبه إلى ما كان عليه من الكفر. هذا؛ و (أصاب) يحتمل معاني كثيرة، تقول: أصاب السهم، يصيب: لم يخطئ هدفه.
وأصاب الرجل في قوله، أو رأيه: أتى بالصواب. وأصاب فلانا البلاء، يصيبه: وقع عليه.
{خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ} أي: خسر في الدنيا العزة، والكرامة، ولا يبقى دمه وماله مصونا، وفي الآخرة ماله النار، وبئس القرار. {ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} أي: الظاهر؛ الذي لا خسران مثله. هذا؛ وقد قيل في تفسير الخسران في الآخرة: أنه جعل لكل واحد من بني آدم منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل الكفار التي في الجنة، وجعل للكفار منازل المؤمنين التي في النار، فذلك هو الخسران، وأي خسران أعظم من هذا الخسران. وانظر الآية رقم [١٠] من سورة (المؤمنون) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ وفي الآية استعارة تمثيلية، وهي أنه نزّل من دخل في الإسلام، من غير اعتقاد، وصحة قصد منزلة الحالّ على طرف شيء في تزلزله، وعدم ثباته، وفي تقريره بيان للمعنى المراد المجازي انتهى... جمل نقلا عن كرخي.
بعد هذا انظر شرح الدنيا في الآية رقم [٧٢] من سورة (طه)، والمراد ب (الآخرة) الحياة الثانية، التي تكون بعد الموت، ثم بعد الحساب، والجزاء، ودخول الجنة، والخلود فيها، أو دخول النار، والخلود فيها. وانظر شرح (العبادة) في الآية رقم [٦٦] من سورة (الأنبياء)، وانظر شرح {النّاسِ} في الآية رقم [١] منها.
أما {الْمُبِينُ} فهو اسم فاعل من أبان الرباعي، أصله: المبين بسكون الباء، وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ولا تنس: أن اسم الفاعل من «بان» الثلاثي: «بائن» أصله باين، وإعلاله مثل إعلال:
قائم في الآية رقم [٢٦] الآتية.
الإعراب: {وَمِنَ:} الواو: حرف استئناف. (من الناس): متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{مِنَ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {يَعْبُدُ:}
مضارع، والفاعل يعود إلى (من)، وهو العائد، أو الرابط. {اللهَ:} مفعول به. {عَلى حَرْفٍ:}
متعلقان بمحذوف حال من فاعل {يَعْبُدُ} المستتر، أي: متزلزلا، وجملة: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ..}. إلخ