للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب‍: (إنّ) ولام الابتداء ليؤكد وقوع البعث، وما يتبعه، وما يتعلق به، وهو ما ينكره الجاحدون، والملحدون؛ أما الموت؛ فلا ينكره أحد أبدا؛ لأنه مشاهد لكل إنسان.

{وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ} سبع سموات، سميت بذلك؛ لأنّ بعضها فوق بعض، والعرب تسمي كل شيء فوق شيء: طريقة، وقيل: سميت بذلك؛ لأنها طرق الملائكة في الصعود، والهبوط، وقيل:؛ لأن الكواكب تطرقها، أي: تسير فيها. {وَما كُنّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ:}

الخلق بمعنى المخلوق، والمراد به: السموات، أو جميع المخلوقات، وهو أولى، ومعنى {غافِلِينَ} مهملين أمرها، بل نحفظها من الاختلال، والزوال، وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة، وتعلقت به المشيئة. وقيل: المعنى: ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي. وقيل: المعنى: ما كنا غافلين عن أعمالهم، وأقوالهم، وسائر تصرفاتهم، بل هي مسجلة عندنا، ومحفوظة لدينا حتى نحاسبهم عليها يوم يرجعون إلينا.

أما (الموت): فهو انتهاء الحياة بخمود حرارة البدن، وبطلان حركته. وموت القلب: قسوته فلا يتأثر بالمواعظ، ولا ينتفع بالنصائح، وأما الميت، والميتة بفتح الميم وسكون الياء فيهما فهو من فارقت روحه جسده، وجمعه: أموات، وأما المشدد؛ فهو الحي الذي سيموت، وعليه قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وجمعه: موتى، قال الإمام علي، كرم الله وجهه: [البسيط]

ففز بعلم، ولا تجهل به أبدا... فالنّاس موتى وأهل العلم أحياء

هذا؛ وقد قال بعض الأدباء في الفرق بين المشدد، والمخفف: [الطويل]

أيا سائلي تفسير ميت وميّت... فدونك قد فسّرت ما عنه تسأل

فمن كان ذا روح فذلك ميّت... وما الميت إلاّ من إلى القبر يحمل

هذا هو الأصل الغالب في الاستعمال وقد يتعاوضان كما في قول ابن الرعلاء الغساني: [الخفيف]

ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء

إنّما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله، قليل الرّجاء

أقول: ومن هذا ما في الآية رقم [٢٧] من سورة (آل عمران) وما في الآية رقم [٩٥] من سورة (الأنعام) حيث استعمل المشدد فيهما لفاقد الحياة، والروح، كما هو واضح فيهما. هذا؛ ولا تنس: أن أصل «ميّت» المشدد: (ميوت)؛ لأنه من مات يموت، فقل في إعلاله: اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقل مثله في إعلال سيّد وهيّن، وليّن وصيّب، ونحو ذلك، وقال الشاعر في تخفيف: هين، ولين: [البسيط]

هينون لينون أيسار بنو يسر... سوّاس مكرمة أبناء أيسار

<<  <  ج: ص:  >  >>