للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضر! اللهمّ اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف». فابتلاهم الله بالقحط، والجدب، والجوع؛ حتى أكلوا العظام، والميتة، والجيف، والكلاب، وهلك الأموال، والأولاد، فاستغاثوا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم فدعا ربه، واستسقى فأغاثهم رب العزة بمطر غزير، نزل كأفواه القرب. هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {بِالْعَذابِ} يعني: بالسيف يوم بدر. وقال ابن جريج في قوله تعالى: {حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ:} هم الذين قتلوا ببدر، والذين يجأرون هم الذين بمكة، قال القرطبي: فجمع بين القولين المتقدمين، وهو حسن. وانظر ما ذكرته في الآية [٧٦].

هذا؛ ومعنى {يَجْأَرُونَ} يضجون، ويستغيثون، وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع، كما يفعل الثور، قال الأعشى يصف بقرة وحشية: [الطويل]

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... وكان النكير أن تطيف وتجأرا

وجأر النبات: طال، والأرض: طال نبتها، والجأر من النبت: الغض، والكثير، والرجل الضخم. انتهى. جمل، وهو ما في القاموس المحيط. هذا؛ ولم يذكر هذا الفعل في غير هذه الآية، والآية رقم [٥٢] من سورة (النحل).

وجأر الرجل إلى الله عز وجل: تضرع بالدعاء. وقال قتادة: يصرخون بالتوبة، فلا تقبل منهم. قال الشاعر: [المتقارب]

يراوح من صلوات المليك... فطورا سجودا وطورا جؤارا

{لا تَجْأَرُوا} أي: لا تصرخوا ولا تستغيثوا. {إِنَّكُمْ مِنّا} أي: من عذابنا. {لا تُنْصَرُونَ} أي:

لا تمنعون، ولا ينفعكم جزعكم. وعلى قول قتادة معناه: لا تنصرون بقبول التوبة، ورفع العذاب عنكم. وما أشبه ما تضمنته الآيتان هنا بما تضمنته الآيتان [١٢ و ١٣] من سورة (الأنبياء).

الإعراب: {حَتّى:} حرف ابتداء. {إِذا:} انظر الآية رقم [٢٧] {أَخَذْنا:} فعل، وفاعل.

{مُتْرَفِيهِمْ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وحذفت النون للإضافة، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِالْعَذابِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة: {أَخَذْنا..}. إلخ في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على القول المرجوح المشهور.

{إِذا:} كلمة دالة على المفاجأة، وانظر ما ذكرته بشأنها في الآية رقم [٩٧] من سورة (الأنبياء).

{مُتْرَفِيهِمْ:} مبتدأ، وجملة: {يَجْأَرُونَ} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على اعتبارها ظرفا، وابتدائية لا محل لها على اعتبار {إِذا} حرفا، وهي عند التأمل جواب ل‍: {إِذا} الأولى، وكان الواجب أن تقترن بالفاء، لكن قام مقامها {إِذا} الفجائية، على حد قول ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

وتخلف الفاء إذا المفاجأه... كإن تجد إذا لنا مكافأه

<<  <  ج: ص:  >  >>