للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستغنائه عن كل أحد. وفيه رد على مشركي العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وعلى اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، وعلى النصارى الذين قالوا: عيسى ابن الله. {وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ:} يساهمه في الألوهية، ويشاركه في الملكوتية. {إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ:}

المعنى لو كان مع الله آلهة كما يدعون، ويفترون لذهب كل واحد منهم بما خلقه، واستبد به، وامتاز ملكه عن ملك الآخرين، وقوى نفسه، وجيشه، وأعوانه، ووقع بينهم التحارب، وظهر التغالب كما هو حال ملوك الدنيا، فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء، واللازم باطل بالإجماع، والاستقراء، وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى إله واحد.

فقد قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٤٢]: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً،} وقال في سورة (الأنبياء) رقم [٢٢]: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} انظر شرح الآيتين في محلهما، فإنه جيد من حمده تعالى، وإذا كان الأمر كذلك؛ فاعلموا: أن الله إله واحد، بيده ملكوت كل شيء، ويقدر على كل شيء، وهو غني عن كل شيء.

{سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ:} تنزه عن الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده. هذا؛ و {سُبْحانَ} اسم مصدر، وقيل: مصدر مثل: غفران، وليس بشيء؛ لأن الفعل سبّح بتشديد الباء، والمصدر: تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل: معاذ الله، وقد أجري علما على التسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قول الأعشى: [السريع]

قد قلت لمّا جاءني فخره... سبحان من علقمة الفاخر

وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة، فقال موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ،} وقال ذو النون-عليه السّلام-: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ،} وقد نزه الله ذاته في كثير من الآيات بنفسه تنزيها لائقا به، وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب من رفع وجر، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجر منه فعل، ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين الألف والنون، ومعناه: التنزيه، والبراءة لله عز وجل من كل نقص، فهو ذكر عظيم لله تعالى لا يصلح لغيره. وقد روي عن طلحة الخير بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة-رضي الله عنهم أجمعين-: أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم:

ما معنى سبحان الله؟ فقال: «تنزيه الله من كل سوء» والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه، لا من لفظه؛ إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، فالتقدير عنده:

أنزه الله تنزيها، فوقع {سُبْحانَ اللهِ} مكان قولك: تنزيها لله.

الإعراب: {مَا:} نافية. {اِتَّخَذَ:} ماض. {اللهُ:} فاعله. {مِنْ:} حرف صلة يفيد التوكيد. {وَلَدٍ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها

<<  <  ج: ص:  >  >>