للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ} سورة (فاطر). فينادون ألف سنة: {رَبِّ ارْجِعُونِ} فيجابون: {اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ}.

هذا، وإذا نظرت في الكشاف يتبين لك ما زدته عليه من ذكر الآيات بكاملها، وعزوها إلى سورها زيادة في الإيضاح. وينبغي أن تعلم: أنه لا يوجد في الآخرة ليل، ولا نهار، ولا شهور، ولا أعوام، وإن ما ذكر من الآلاف إنما هو بالتقدير، وقد يعترض بعض الناس، فيقول: هذا العذاب الشديد، والمكث الطويل في جهنم، هذا كله من أجل كفر الكافر في أيام معدودة في الدنيا، وكثير من الكفار لا يعيشون في الدنيا عشرين عاما، ومنهم من يعيش أكثر، أو أقل، ولماذا استحقوا هذا العذاب الشديد الذي لا انتهاء له، ولا انقطاع؟ والجواب عن ذلك: أنهم استحقوا العذاب لإصرارهم على الكفر، ونيتهم البقاء عليه، ولو عاشوا آلاف السنين في الدنيا، فمن أجل هذا جوزوا بالخلود في نار الجحيم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي} أي: المؤمنين، أمثال بلال، وخباب، وصهيب، وفلان، وفلان من ضعفاء المسلمين. {يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا} أي: بما أنزلت من القرآن، وبما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم من الهدى، والفرقان. {فَاغْفِرْ لَنا} أي: ذنوبنا. {وَارْحَمْنا} أي: برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء. {وَأَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ:} وأنت أفضل، وأكرم ممن يرحم.

هذا؛ و {فَرِيقٌ} طائفة من الناس، والفريق أكثر من الفرقة، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، كرهط، وقوم. أما الكلام بالنسبة للبشر فهو يدل على أحد ثلاثة أمور:

أولها: الحدث الذي يدل عليه لفظ التكليم، تقول: أعجبني كلامك زيدا! تريد: تكليمك إياه.

وثانيها: ما يدور في النفس من هواجس، وخواطر، وكل ما يعبّر عنه باللفظ، لإفادة السامع ما قام بنفس المخاطب، فيسمى هذا الذي تخيلته في نفسك كلاما في اللغة العربية، تأمل قول الأخطل التغلبي: [الكامل]

لا يعجبنّك من خطيب خطبة... حتّى يكون مع الكلام أصيلا

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما... جعل اللّسان على الفؤاد دليلا

وثالثها: كل ما تحصل به الفائدة، سواء أكان ما حصلت به لفظا، أو خطا، أو إشارة، أو دلالة حال. انظر إلى قول العرب: (القلم أحد اللّسانين)، وانظر إلى تسمية المسلمين ما بين دفّتي المصحف: (كلام الله)، ثم انظر إلى قوله تعالى: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ} وقال جل شأنه:

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} وإلى كلمته جلّت حكمته: {قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً} ثم انظر إلى قول عمر بن أبي ربيعة الذي نفى الكلام اللفظي عن محبوبته، وأثبت لعينها القول، وذلك في قوله: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>