للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملائكة، والناس أجمعين، وأما الأحياء من الكفار؛ فقد قال العلماء: لا يجوز لعن كافر معيّن؛ لأن حاله عند الوفاة لا تعلم، فلعله يؤمن، ويموت على الإسلام، وقد قيد الله في آية (البقرة) إطلاق اللعنة على من مات على الكفر، ويجوز لعن الكفار، أي جملة بدون تعيين، كما في قولك: لعن الله الكافرين، يدل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم، فجمّلوها فباعوها». وذهب بعضهم إلى جواز لعن إنسان معين من الكفار، بدليل جواز قتاله... وهو الصحيح، كيف لا؛ وقد لعن حسان بن ثابت-رضي الله عنه-أبا سفيان وزوجه هندا في شعره، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وخذ قوله: [الكامل]

لعن الإله وزوجها معها... هند الهنود طويلة البظر

وقد لعن الفاروق-رضي الله عنه-أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي، وغيرهم، الذين قدموا المدينة المنورة، بعد غزوة أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم جماعة من المنافقين، وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ارفض ذكر آلهتنا بسوء، وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك! فشق ذلك على سيد الخلق، وحبيب الحق، فقال الفاروق: يا رسول الله! ائذن لي في قتلهم، فقال: إني أعطيتهم الأمان، فقال الفاروق: اخرجوا في لعنة الله، وغضبه، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، كيف لا؛ وهذه الآية تأمر المسلم أن يلعن نفسه إن كان من الكاذبين.

وأما العصاة من المسلمين، فلا يجوز لعن أحد منهم على التعيين قطعا، وأما على الإطلاق فيجوز كما في قولك: لعن الله الفاسقين، والفاسقات، والفاسدين، والفاسدات... إلخ، لما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله السّارق يسرق البيضة، والحبل، فتقطع يده». ولعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الواشمة والمستوشمة، وآكل الرّبا، ولعن من غيّر منار الأرض، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن عمل عمل قوم لوط، ومن أتى امرأة في دبرها، وغير ذلك». وكل هذا؛ وارد في الصحيح من الأحاديث.

{إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ:} في قذف امرأته بالزنى وإلحاق العار بها. هذا؛ ولقد اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، وعيّنه، هل يحدّ، أم لا؟ فقال الإمام مالك: عليه اللعان لزوجته، واحدّ للمرمي، أي: لمن قذفه، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه. وقال الشافعي: لا حدّ عليه؛ لأن الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنى إلا حدّا واحدا بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ..}. إلخ، ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه، وبين من لم يذكر، وقد رمى العجلانيّ زوجته بشريك، وكذلك هلال بن أمية، فلم يحدّ واحد منهما. انتهى. قرطبي.

الإعراب: {وَالْخامِسَةُ:} الواو: حرف عطف. (الخامسة): معطوف على {أَرْبَعُ شَهاداتٍ} على قراءة رفعه، أو هو مبتدأ. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {لَعْنَتَ:} اسمها، و {لَعْنَتَ} مضاف،

<<  <  ج: ص:  >  >>