للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العورات فقط، بل وعلى ما يخفيه الناس عادة، مع أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه محظور، واستثني ما إذا عرض فيه حرق، أو غرق، أو كان فيه منكر ونحو ذلك؛ فإنه يجوز اقتحام البيوت من غير إذن أهلها في تلك الحالات.

{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا:} ولا تلحوا بطلب الدخول، ولا تقفوا على الباب ملازمين، ولا تجدوا في نفوسكم على صاحب البيت، بل ولا تروا أن فيه غضاضة، وانتقاصا من كرامتكم. {هُوَ أَزْكى لَكُمْ} أي: الرجوع المفهوم من الفعلين السابقين أطهر لقلوبكم، وأصلح لأعمالكم، فإن للناس حاجات وأحوالا يكرهون الدخول عليهم فيها، وإذا حضر إلى الباب، فلم يستأذن، وقعد على الباب منتظرا خروج صاحب الدار جاز له ذلك، فقد كان ابن عباس-رضي الله عنهما-يأتي دور الأنصار لطلب الحديث، فيقعد، ولا يستأذن، حتى يخرج إليه صاحب الدار، فإذا خرج، ورآه قال: يا بن عم رسول الله! لو أخبرتني بمكانك، فيقول: هكذا أمرنا أن نطلب العلم.

وإذا وقف على الباب، فلا يجوز له أن ينظر من شقه إذا كان مردودا، فعن سهل بن سعد الساعدي-رضي الله عنه-: أن رجلا اطّلع على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حجر في حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدراة يحكّ به رأسه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو علمت أنّك تنظر؛ لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر». رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، والمدراة المشط، ويروى: مدرى بالقصر.

وعن عبد الله بن بسر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها، فاستأذنوا، فإن أذن لكم فادخلوا، وإلاّ؛ فارجعوا». رواه الطبراني في الكبير، فينبغي أن يقف المستأذن على يمين الباب، أو يساره، ولا يستقبله، ثم إذا قيل: من هذا؟ قال: أنا فلان، أو: أبو فلان، ولا يقل: أنا؛ فإنه لا يعرف، وقد أنكر النبي صلّى الله عليه وسلّم على من قال: أنا. فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: استأذنت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:

«من هذا؟». فقلت: أنا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا، أنا». كأنه كره ذلك. رواه الشيخان وغيرهما.

فينبغي مراعاة هذه الآداب في الاستئذان، وإنا لنفخر بما شرع الله لنا من آداب كثيرة، ومن جملتها هذا الاستئذان، وإن كثيرا من غير المسلمين يحسدوننا على هذا الأدب، فقد ذكر لي أحد إخواني: أن نصرانيا قال له: نحسدكم على ما في دينكم من آداب، وفي طليعتها أدب الاستئذان. ولكن الكثير من المسلمين قد أهملوا هذه الآداب، واعتبروها معرّة لهم، وانتقاصا من أقدارهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا؛ وفي قوله تعالى: {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} توعّد لمن يتجسس على البيوت، ويحاول الدخول على غفلة من أهلها، والنظر إلى ما لا يحل، ولا يجوز، ولغيرهم ممّن يرتكب شيئا من المحظورات.

<<  <  ج: ص:  >  >>