{عَنْ ذِكْرِ اللهِ} أي: باللسان، والقلب، وقيل: المراد به الصلاة، وحضور المساجد لإقامتها.
والأول أقوى لذكر الصلاة بعده، وعطفها عليه. {وَإِقامِ الصَّلاةِ} أي: إقامة الصلاة في وقتها؛ لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة. وانظر شرح الصلاة، والزكاة في الآية رقم [٣٠] من سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام، وانظر إعلال (إقام) في الآية رقم [٧٣] من سورة (الأنبياء) وانظر ما ذكرته في الآية السابقة بشأن أهل الأسواق.
{يَخافُونَ يَوْماً} أي: يوم القيامة. {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ} أي: من هوله، وحذر الهلاك. والتقلب: التحول، والمراد: قلوب الكفار، وأبصارهم، فتقلب القلوب: انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها، ولا هي تخرج، وأما تقلب الأبصار؛ فتحول هيئتها إلى العمى بعد البصر، بمعنى: تزيغ، ولا تبصر. وانظر الآية رقم [٤٣] من سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ومنه قوله تعالى:{وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} الآية رقم [١٠] من سورة (الأحزاب).
والمعنى: إن هؤلاء الرجال، وإن بالغوا في ذكر الله، والطاعات؛ فإنه مع ذلك وجلون خائفون لعلمهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته. وقد قيل في معنى تقلب القلوب والأبصار: إن القلوب تتقلب بين الطمع في النجاة، والخوف من العقاب في ذلك اليوم، وتقلب الأبصار، تنظر من أية ناحية يعطون كتبهم، وإلى أية ناحية يؤخذ بهم. وقيل: إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم؛ لرؤيتهم اليقين، وذلك مثل قوله تعالى:{فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} فما كان يراه في الدنيا غيّا يراه رشدا في الآخرة، إلا أن ذلك لا ينفعهم.
وقيل: تقلب على جمر جهنم، كقوله تعالى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ} الأحزاب رقم [٦٦]، وقوله تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ..}. الآية رقم [١١٠] من سورة (الأنعام).
وقيل: المعنى: تتقلب أحوالها، فتفقه القلوب ما لم تكن تفقه، وتبصر الأبصار ما لم تبصر. هذا؛ وتخصيص الرجال بالذكر دليل على أن النساء لاحظ لهن في المساجد؛ إذ لا جمعة عليهن ولا جماعة، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل، فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها». رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه. والمخدع: الخزانة ونحوها في داخل البيت، وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهنّ». رواه أبو داود.
فهذا النهي للفتنة، فإذا أمن الإنسان الفتنة، وعدم النظر إليهن، فلا يمنعن، ولا سيما العجائز وهذا في عصر النبوة، وآداب الإسلام معمول بها، والإسلام في قمة رفعته، وعزته، والكل يخاف الله جل وعلا، فما بالك الآن أيها المسلم؛ وقد كثر الفجور والفسوق، وكثير من