للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم الله سبحانه وتعالى أن أعمال الكفار إن كانت حسنة؛ فهي كسراب بقيعة، وإن كانت قبيحة؛ فهي كظلمات. ومثله في البيضاوي.

{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} أي: عميق كثير الماء، ولجة البحر: معظمه، وجمعها: لجج، فأما اللّجّة؛ فأصوات الناس. يقال: سمعت لجّة الناس؛ أي: أصواتهم وصخبهم. قال أبو النجم الفضل بن قدامة العجليّ: [الرجز]

تدافع الشّيب ولم تقتّل... في لجّة أمسك فلانا عن فل

و {يَغْشاهُ مَوْجٌ} أي: يعلو ذلك البحر العميق، ويغطيه موج. {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} أي: من فوق الموج موج {مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ} أي: ومن فوق هذا الموج الثاني سحاب. هذا؛ والسحاب اسم جنس، واحده سحابة، فلذلك وصف بالجمع، وهو الثقال بقوله تعالى في الآية رقم [١٢] من سورة (الرعد): {وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} وتجمع السحابة على سحاب، وسحائب، وسحب.

{ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ:} المعنى: أن البحر اللجي يكون قعره مظلما جدا. بسبب غمورة الماء له، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة، فإذا كان فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى. ثم قيل: المراد بهذه الظلمات: ظلمة السحاب، وظلمة الموج، وظلمة الليل، وظلمة البحر، فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئا، كذلك الكافر، له ظلمات كثيرة: ظلمة الاعتقاد، وظلمة التفكير، وظلمة القول، وظلمة العمل. وقيل: شبه بالبحر اللجي قلبه، وبالموج ما يتغشى قلبه من الشك، والجهل، والحيرة، وبالسحاب الختم، والطبع على قلبه. قال أبيّ بن كعب-رضي الله عنه-: الكافر يتقلب في خمس من الظلمات: كلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات في النار، وبئس القرار، والكلام جار مجرى الاستعارات، والكنايات. تأمّله، وتدبره.

{إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها} أي: إذا أخرج شخص يده ليراها؛ لم يقرب أن يراها لشدة الظلمة. وقيل: المعنى لم يرها إلا بعد الجهد، كما تقول: ما كدت أراك من الظلمة، وقد رآه بعد يأس، وشدة. وقيل: هو مبالغة في لم يرها، أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها، ومثله قول ذي الرمة: [الطويل]

إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

أي: لم يقرب من البراح فماله يبرح. هذا؛ وقال الفراء: «كاد» صلة، أي لم يرها، وحكاه أبو حاتم عن الأخفش أيضا، وهي مؤكدة لمعنى الكلام؛ لأن الظلمات التي ذكرها الله تعالى، بعضها يحول بين الناظر والمنظور إليه. وروي معناه عن سعيد بن جبير-رضي الله عنهما- واستشهدوا بقول زيد الخير-رضي الله عنه-: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>