وأخبروا بالجنة والنار، والخطاب في هذه الآية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يعم كل مخاطب من العقلاء.
والمعنى: ألم تعلم علما يقينيا يشبه المشاهدة في اليقين، والوثاقة بالوحي والاستدلال.
{أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ} أي: من الملائكة. {وَالْأَرْضِ} أي: من الجن والإنس، والحيوان والنبات والجماد، وهو ما صرحت به الآية رقم [٤٤] من سورة (الإسراء): {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. انظر شرحها هناك، والمعنى: يقدس الله، وينزهه عن كل نقص وآفة أهل السموات، والأرض. وانظر الكلام على (من) و (ما) في الآية رقم [٤٥] الآتية.
تنبيه: جاء لفظ التسبيح بالماضي أحيانا، وبالمضارع أحيانا، وبالأمر أحيانا، وبالمصدر أحيانا أخرى استيعابا لهذه المادة من جميع جهاتها، وألفاظها، وهي أربع: المصدر، والماضي، والمضارع، والأمر. وهذا الفعل بألفاظه الأربعة قد عدي باللام تارة، مثل قوله تعالى:{سَبَّحَ لِلّهِ} وقوله جل شأنه: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ..}. إلخ وبنفسه أخرى، مثل قوله تعالى:
{وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} وقوله تعالت حكمته: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} وأصله التعدي بنفسه؛ لأن معنى سبّحته: بعدته من السوء، منقول من «سبح»: إذا ذهب، وبعد، فاللام إما أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له، وشكرته وشكرت له، وإما أن يراد ي:{سَبَّحَ لِلّهِ} اكتسب التسبيح لأجل الله. ولو جهه خالصا. انتهى. نسفي. من سورة (الحديد).
{وَالطَّيْرُ صَافّاتٍ} أي: باسطات أجنحتهن في الهواء. قيل: خص الطير بالذكر من جملة الحيوان؛ لأنها تكون بين السماء والأرض أثناء طيرانها، فتكون خارجة عن حكم من في السموات والأرض.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ:} قال مجاهد، وغيره: الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سواه من الخلق. وقال سفيان: للطير صلاة ليس فيها ركوع، ولا سجود. وقيل: إن ضربها بأجنحتها صلاة، وإن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش. {كُلٌّ} أي: كل واحد مما ذكر. {عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي: علم الله تسبيح المسبح، وصلاة المصلي من جميع المخلوقات، ولهذا قال:{وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ} أي: لا يخفى عليه طاعتهم، ولا تسبيحهم. ومن هذه الجهة يجوز نصب {كُلٌّ} عند البصريين، والكوفيين بإضمار فعل يفسره ما بعده. وقد قيل: المعنى: قد علم كل مصلّ صلاة نفسه، وكل مسبح تسبيحه الذي كلّفه. هذا؛ وقد قرئ {عَلِمَ} بالبناء للمعلوم وللمجهول، كما قرئ بتشديد اللام، كما قرئ بنصب (الطير)، وقراءة الجمهور الرفع، مع نصب {صَافّاتٍ} على القراءتين، وقرئ برفعهما «(والطير صافات)»، وانظر شرح {الطَّيْرُ} في الآية رقم [٣١] من سورة (الحج). هذا؛ والصلاة هنا بمعنى التسبيح، فهو بمعنى المرادف، وكرر للتوكيد.
الإعراب:{أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام وتقرير هنا. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{تَرَ:} مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنت». {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل.