لخرجنا، ولو أمرتنا بالجهاد؛ لجاهدنا، فنزلت هذه الآية؛ أي: وأقسموا بالله أنهم يخرجون معك في المستقبل، ويطيعون. انتهى. {جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} مستعار من جهد نفسه إذ بلغ أقصى وسعها.
{قُلْ لا تُقْسِمُوا} أي: لا تحلفوا كذبا بالله. {طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي: هذه طاعة القول باللسان، دون الاعتقاد بالقلب، وهي معروفة، أي أمر عرف منكم أنكم تكذبون، وتقولون ما لا تفعلون.
وقيل: معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل، وأمثل من يمين باللسان، لا يوافقها الفعل.
انتهى. خازن. {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} أي: من طاعتكم بالقول، ومخالفتكم بالفعل، فلا يخفى عليه شيء من سرائركم.
بعد هذا انظر شرح (الإيمان) في الآية رقم [١٤] من سورة (الحج)، وإعلال {لَيَخْرُجُنَّ} مثل إعلال (لتعلمن) في الآية رقم [٧١] من سورة (طه). هذا؛ وأمر يتعدى لمفعولين، تارة بنفسه.
كما في قولك: أمرتك الخير، وتارة يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، كما في قولك: أمرتك بالخير، ومثله: استغفر، واختار، وكنى، وسمّى، ودعا، وصدّق، وزوّج، وكال، ووزن، فمثال «استغفر» وقد نصب مفعولين صريحين قول الشاعر: [البسيط]
أستغفر الله ذنبا لست محصيه... ربّ العباد إليه الوجه والعمل
ومثال «أمر» وقد نصب مفعولين صريحين قول عمرو بن معدي كرب، وينسب لغيره: [البسيط]
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
هذا؛ والأمر من: أمر: مر، وأصله: اومر، لكن لم يستعمل على الأصل، وحذفت الهمزتان تخفيفا لاجتماع الضمات، وهذا الحذف واقع في الأمر المأخوذ من: أخذ وأكل، فيقال: خذ، وكل، وقد قالوا: اؤمر، و: اؤخذ، فاستعملا على الأصل، ومنه: (أؤمر) في الآية رقم [١٤٤ و ١٩٩] من سورة (الأعراف)، ورقم [١٣٢] من سورة (طه)، والآية رقم [١٧] من سورة لقمان، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَأَقْسَمُوا:} الواو: حرف عطف. (أقسموا): ماض، وفاعله، والألف للتفريق.
{بِاللهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {جَهْدَ:} مفعول مطلق عامله: (أقسموا) وهو من معناه، أو هو حال من واو الجماعة بمعنى جاهدين، أو مجتهدين، وجملة {وَأَقْسَمُوا..}. إلخ معطوفة على جملة: (يقولون...) إلخ في الآية رقم [٤٧] و {جَهْدَ} مضاف، و {أَيْمانِهِمْ:} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {لَئِنْ:} اللام: موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم.
{أَمَرْتَهُمْ:} ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والهاء مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَيَخْرُجُنَّ:}
اللام: واقعة في جواب القسم. (يخرجن): مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وواو الجماعة المحذوفة، المدلول عليها بالضمة في محل رفع فاعل، والنون للتوكيد