سورة (النساء) رقم [٨٠]. {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} ومن القرطبي: وفي حديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من فرّق بين ثلاث فرّق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة: من قال: أطيع الله، ولا أطيع الرسول، والله تعالى يقول:{أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ،} ومن قال: أقيم الصلاة، ولا أوتي الزكاة، والله تعالى يقول:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ،} ومن فرّق بين شكر الله وشكر والديه، والله عز وجل يقول: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ»}. انتهى.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: أعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله، وأصل الفعل: تتولوا، فحذف إحدى التاءين، وهو كثير في القرآن الكريم، ودل على ذلك: أن بعده {وَعَلَيْكُمْ} ولم يقل:
وعليهم. {فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ:} إذ المعنى: فإن تتولوا عن ما ذكر فإنكم لن تضروه، وإنما تضرون أنفسكم، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى، وكلفه من أداء الرسالة، فإذا أدى ما عليه فقد خرج عن عهدة تكليفه، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التقى بالقبول والإذعان، فإن لم تفعلوا، وتوليتم؛ فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وشديد انتقامه.
{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} أي: وإن أطعتموه فيما يأمركم به، وينهاكم عنه؛ فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى، فالضرر في توليكم، والنفع في طاعتكم عائدان إليكم. فقد جعل الاهتداء مقرونا بطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: ما على الرسول إلا أن يبلغكم ما يوحى إليه من ربه، فليس له نفع في طاعتكم، ولا عليه ضرر في إعراضكم. و {الْبَلاغُ} بمعنى التبليغ، كالأداء بمعنى التأدية، و {الْمُبِينُ} الظاهر لكونه مقرونا بالدلائل النيرة والمعجزات الباهرة، وانظر إعلال {الْمُبِينُ} في الآية رقم [١١] من سورة (الحج). ولقد صرف الله الكلام عن الغيبة في الآية السابقة، إلى الخطاب في هذه الآية على طريق الالتفات، وهو أبلغ في تبكيتهم، وانظر الالتفات في الآية رقم [٣٤] من سورة (الأنبياء).
الإعراب:{قُلْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت». {أَطِيعُوا:} أمر، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول.
والتي بعدها معطوفة عليها، فهي مثلها في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {فَإِنْ:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف، وقيل: حرف عطف. (إن):
حرف شرط جازم. {تَوَلَّوْا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها... إلخ. {فَإِنَّما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط، وقيل: الجواب محذوف، التقدير: فاعلموا أنما عليه صلّى الله عليه وسلّم ما حمل. وهو تكلف لا داعي له. (إنما): كافة، ومكفوفة. {عَلَيْهِ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {فَإِنَّما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {حُمِّلَ:} ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الرسول، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: فإنما