وقيل: معنى {لا يَرْجُونَ} هنا: لا يبالون، قال خبيب بن عدي-رضي الله عنه-: [الطويل]
لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما... على أيّ جنب كان في الله مصرعي
وقد يأتي الرجاء بمعنى الخوف، وبه فسر كثير من المفسرين الآية هنا، وهي لغة تهامة، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي في صفة عسّال، أي الذي يقطف عسل النحل:[الطويل]
إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها... وخالفها في بيت نوب عواسل
وقال بعض العلماء: لا يقع الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد، أي: النفي، كقوله تعالى:{ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً} وقال بعضهم: بل يقع في كل موضع دل عليه المعنى، وهو المعتمد. {لِقاءَنا} أي: بالبعث، والحشر، والنشر، ولا يؤملون خيرا، أو لا يخافون لقاءنا بالشر، وأصل اللقاء: الوصول إلى الشيء، ومنه الرؤية، فإنه وصول إلى المرئي، وأصل «لقاء» لقاي؛ لأنه من: لقي، فقل في إعلاله: تحركت الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين.
{لَوْلا:} هلا. {أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} فيخبروننا بصدق محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو يكونون رسلا إلينا من دونه. {أَوْ نَرى رَبَّنا} أي: جهرة، وعيانا، فيأمرنا بتصديقه، واتباعه. ونظيره الآية رقم [٩٤] و [٩٥] من سورة (الإسراء).
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} أي: تعظموا. {فِي أَنْفُسِهِمْ} أي: في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق للأفراد من الأنبياء، الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها، وما هو أعظم من ذلك. {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} أي: تجاوزوا الحد في الظلم تجاوزا بالغا أقصى مراتبه؛ حيث عاينوا المعجزات القاهرة، فأعرضوا عنها، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية؛ لأن الملائكة لا ترى إلا عند الموت، أو عند نزول العذاب، والله تعالى لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، فلا عين تراه. هذا؛ والعتو: العناد، والطغيان، والعاتي: المجاوز للحد في الاستكبار، والعاتي: الجبار أيضا. وقيل: العاتي: هو المبالغ في ركوب المعاصي، المتمرد الذي لا يقع منه الوعظ، والتنبيه موقعا. انتهى. مختار. وانظر الآية رقم [٨] من سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ وقال الزمخشري: وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب، ألا ترى: أن المعنى: ما أشد استكبارهم، وما أكبر عتوهم!. انتهى.
الإعراب:{وَقالَ:} الواو: حرف استئناف. (قال): فعل ماض. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} صلة الموصول لا محل لها.