للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظالم هو الذي يظلم غيره بالاعتداء على حقوقه، أو على كرامته، وحرماته، والظالم هو الذي يظلم نفسه بالكفر، أو بالمعاصي، وارتكاب الفواحش والمنكرات، وكثيرا ما يعبر القرآن عن الكافرين بالظالمين، والمجرمين، والمعتدين، والفاسقين، والمسرفين، وغير ذلك، ويتهددهم بالعذاب الأليم، ويتوعدهم بالعقاب الشديد، وإننا نجد الكثير من المسلمين يتصفون بهذه الصفات، فهل يوجه إليهم هذا التهديد، وهذا الوعيد؟ الحق أقول: نعم يتوجه إليهم ما ذكر، وهم أحق بذلك، ولا سيما من قرأ القرآن منهم، واطلع على أحوال الأمم السابقة، وما جرى لهم مع رسلهم، وكيف نكل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، وما يتذكر إلا أولو الألباب.

{يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً:} طريقا إلى النجاة، أو طريقا واحدا، وهو طريق الحق، ولم تتشعب بي طرق الضلالة، والمراد بالرسول هنا: محمد صلّى الله عليه وسلّم.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة وما بعدها في عقبة بن أبي معيط بن أمية، بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان قد نطق بالشهادتين، ثم ارتد عن الإسلام، وسبب نطقه بهما أنه صنع يوما طعاما، ودعا الناس إليه، ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما قدم الطعام، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا آكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله». فنطق بهما، وأكل صلّى الله عليه وسلّم من طعامه، وكان عقبة صديقا لأبيّ بن خلف الجمحي، فلما أخبر أبيّ بما وقع لعقبة، قال له: يا عقبة! صبأت، قال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل بيتي رجل، فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي، ولم يطعم، فشهدت له، فطعم، فقال: لا أرضى عنك أبدا، حتى تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة، فعاد بزاقه على وجهه، فحرقه، وبقي أثره في وجهه حتى قتل يوم بدر، وأما أبيّ فقد ضربه النبي يوم أحد بنبل فطعنه، وكان ذلك سبب موته وذهابه إلى جهنم وبئس المصير، وعقاب عقبة في جهنم كما هو نص الآية أنه يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه، ثم ينبتان ثم يأكلهما وهكذا كلما نبتت يده أكلها تحسرا وندامة على ما فعل.

الإعراب: {وَيَوْمَ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (يوم): مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكر. {يَعَضُّ:} فعل مضارع. {الظّالِمُ:} فاعله. {عَلى يَدَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر الياء، نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة: {يَعَضُّ..}. إلخ في محل جر بإضافة (يوم) إليها، وجملة: (اذكر يوم...) إلخ معطوفة على جملة: اذكر يوم تشقق... إلخ المقدرة، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {يَقُولُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الظّالِمُ}. (يا): حرف تنبيه، وقيل: أداة نداء، والمنادى محذوف، تقديره: يا قوم ونحوه، والأول أقوى، كما يؤخذ من قول ابن هشام في المغني. (ليتني): حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم ضمير متصل في محل نصب اسمها. {اِتَّخَذْتُ:} فعل، وفاعل. {مَعَ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>