للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكرن بكورا، واستحرن بسحرة... فهنّ لوادي الرّسّ كاليد للفم

ورسست رسا: حفرت بئرا، ورسّ الميت: أي قبر، والرس: الإصلاح بين الناس، والإفساد، أيضا، فهو من الأضداد. هذا؛ وفي الرس وفي أصحابه أقوال كثيرة أنقلها لك من القرطبي وغيره، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سألت كعبا عن أصحاب الرس، قال:

صاحب (يس) الذي قال: (يا قوم اتّبعوا المرسلين) قتله قومه، ورسّوه في بئر لهم، يقال له:

الرّس، طرحوه فيها. وكذا قال مقاتل. وقال السدي: هم أصحاب قصة (يس) أهل أنطاكية، والرس: بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار مؤمن آل (يس) فنسبوا إليها.

وقال علي-رضي الله عنه-: هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر، فدعا عليهم نبيهم، وكان من ولد يهوذا، فيبست الشجرة، فقتلوه، ورسّوه في بئر، فأظلتهم سحابة سوداء، فأحرقتهم.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم قوم بأذربيجان، قتلوا أنبياء، فجفت أشجارهم وزروعهم، فماتوا جوعا، وعطشا.

وقال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر يقعدون عليها، وأصحاب مواش، وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيبا، فكذبوه وآذوه، وتمادوا على كفرهم وطغيانهم، فبينما هم حول البئر في منازلهم، انهارت بهم، وبديارهم، فخسف الله بهم، فهلكوا جميعا.

وقال قتادة: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمّتان، أرسل الله إليهما شعيبا، فكذبوه، فعذبهما الله بعذابين. قال قتادة: والرس قرية بفلج اليمامة. وقال الكلبي: أصحاب الرس قوم أرسل الله إليهم نبيا فقتلوه، وهم أول من عمل نساؤهم السّحق؛ ذكره الماوردي. وقيل: هم أصحاب الأخدود، الذين حفروا الأخاديد، وحرقوا فيها المؤمنين. وقيل: هم بقايا من قوم ثمود، وأن الرس البئر المذكورة في الحج رقم [٤٥].

وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: كان نبي يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوه، فأهلكهم الله تعالى. وأخيرا أذكر أنه يوجد بين الحجاز ونجد قرية تسمى: الرس، وهي مأهولة بالسكان، فيكون حنظلة بن صفوان-وهو عربي-أرسل إلى هذه القرية، ولا تزال معالمها قائمة إلى أيامنا هذه.

هذا؛ وزاد البيضاوي في أصحاب حنظلة النبي: ابتلاهم الله بطير عظيم كان فيها من كل لون، وسموها عنقاء لطول عنقها، وتسكن جبلهم الذي يقال له: فتخ، أو دمخ، وتنقض على صبيانهم، فتخطفهم إذا أعوزها الصيد، ولذلك سميت مغربا، فدعا عليها حنظلة، فأصابتها الصاعقة، ثم إنهم قتلوه، فأهلكوا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ} أي: وأهلكنا قرونا كثيرا بين عاد، وثمود، وأصحاب الرس لا يعلمها إلا الله. والإشارة راجعة إلى تلك القرون الكثيرة فلذا صح دخول «بين» عليها؛ لأنها لا تدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>