أراد: وحبال تغلب، فثنى، والحبال: جمع؛ لأنه أراد الشيئين، والنوعين. وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (الشعراء) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وعن سعيد بن جبير-رضي الله عنهما-قال: إنما خلقهما في ستة أيام، وهو يقدر على أن يخلقهما في لحظة تعليما لخلقه الرفق، والتثبت.
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} أي: استولى، ولا يجوز تفسيره باستقر، وثبت، فيكون صفة لله من صفات الحوادث، وهناك من يقول: استوى استواء يليق به، وهو مذهب السلف، والأول مذهب الخلف، وهذا التأويل ينبغي أن يقال في كل ما يوهم وصفا، لا يليق به تعالى، وانظر الآية رقم [٢٢] من سورة (الأنبياء) لشرح العرش؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ:} اسأل عنه {خَبِيراً} قاله الزجاج، وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة: أن الباء تكون بمعنى عن، كما قال تعالى:{سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} وقال علقمة بن عبدة: [الطويل]
فإن تسألوني بالنّساء فإنّني... خبير بأدواء النّساء طبيب
أي: عن النساء. ورده، وأنكره جماعة. وقال البيضاوي: فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك بحقيقته، وهو الله تعالى، أو جبرائيل، أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقوك فيه.
وقيل: الضمير ل: {الرَّحْمنُ} والمعنى: إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى؛ فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم انتهى، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ثانية ل {الْحَيِّ،} أو هو بدل من: {الَّذِي لا يَمُوتُ،} أو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو الذي، أو في محل رفع مبتدأ، خبره {الرَّحْمنُ،} أو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، تقديره:
أعني الذي. {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره:«هو» يعود إلى {الَّذِي،} وهو العائد. {السَّماواتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. {وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على السموات. {بَيْنَهُما:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة، والميم، والألف حرفان دالان على التثنية. {فِي سِتَّةِ:} متعلقان بالفعل {خَلَقَ،} و {سِتَّةِ} مضاف، و {أَيّامٍ} مضاف إليه، وجملة:{خَلَقَ..}.
إلخ صلة الموصول لا محل لها. {ثُمَّ:} حرف عطف. {اِسْتَوى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى {الَّذِي،} والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {خَلَقَ..}. إلخ لا محل لها. {عَلَى الْعَرْشِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الرَّحْمنُ:} بالرفع يجوز فيه ثلاثة أوجه: أن يكون بدلا من فاعل: {اِسْتَوى} المستتر، وأن يكون خبرا ل:{الَّذِي} على وجه فيه، أو خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره: هو الرحمن، وأن يكون مبتدأ خبره جملة:
{فَسْئَلْ} والفاء زائدة على رأي الأخفش، وهو أحد وجهين في الآية رقم [٢] من سورة (النور).