للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عطية: هذا؛ ونحوه غير مرتبط بالآية، والوجه أن يقال: إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها أن لا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر، أو عيالا ونحو ذلك، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال، ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي: العدل.

وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف، ولم يبخلوا، كقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} الآية رقم [٢٩] من سورة (الإسراء). وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الآية رقم [٣١] من سورة (الأعراف)، انظر تفسير الآيتين في محالهما. وقال الشاعر الحكيم: [الطويل]

ولا تغل في شيء من الأمر، واقتصد... كلا طرفي قصد الأمور ذميم

وقال آخر: [الطويل]

إذا المرء أعطى نفسه كلّ ما اشتهت... ولم ينهها تاقت إلى كلّ باطل

وساقت إليه الإثم والعار بالّذي... دعته إليه من حلاوة عاجل

وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-لابنه عاصم: كل في نصف بطنك، ولا تطرح ثوبا حتى تستخلقه، ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم. وقال حاتم الطائي: [الطويل]

إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله... وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا

هذا؛ ويقرأ {يَقْتُرُوا} بقراآت كثيرة، والمعنى، والإعراب لا يتغيران، و {قَواماً:} بفتح القاف: عدلا، ويقرأ بكسر القاف، أي: سدادا، وملاك حال. وقال البيضاوي: هو ما يقام به الحاجة، لا يزيد عليها، ولا ينقص. هذا؛ وقد حث الله على الاعتدال، والتوسط في كل شيء حتى في المشي، ورفع الصوت، قال تعالى حكاية عن وصية لقمان لابنه، وهو يعظه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

الإعراب: {وَالَّذِينَ:} معطوف على ما قبله، {إِذا:} انظر الآية رقم [٦٠]. {أَنْفَقُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمفعول محذوف، تقديره: المال، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {يُسْرِفُوا:} فعل مضارع مجزوم ب‍ {لَمْ،} وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، التقدير: لم يسرفوا في إنفاقه، والجملة الفعلية جواب: {إِذا} لا محل لها، وجملة: {وَلَمْ يَقْتُرُوا} معطوفة عليها،

<<  <  ج: ص:  >  >>