للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاروق-رضي الله عنه-قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التّخوّف: التنقّص، قال:

فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال: شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]

تخوّف الرّحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السّفن

فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس عليكم بديوانكم، لا تضلّوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهليّة، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. هذا؛ وأصل الخوف: انزعاج في الباطن، يحصل من توقّع مكروه يقع في المستقبل، وأصل خاف: (خوف) فقل في إعلاله:

تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا. {جَنَفاً} ميلا، من: جنف، يجنف، جنفا، قال الأعشى: [الطويل]

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي... وما قصدت من أهلها لسوائكا

ومنه الآية الكريمة. والجنف: الجور، قال الشاعر: [الوافر]

هم المولى وإن جنفوا علينا... وإنّا من لقائهم لزور

وقال لبيد-رضي الله عنه-: [الكامل]

إنّي امرؤ منعت أرومة عامر... ضيمي وقد جنفت عليّ خصوم

{أَوْ إِثْماً:} ظلما، وخروجا عن الحقّ، {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} في هذا الإصلاح؛ إذ الجنف في الوصيّة، والإثم: العمد، وعليه فمعنى الآية: إذا حضر رجل مريضا؛ وهو يوصي، فرآه يميل في وصيته، إما بتقصير، أو بإسراف، أو وضع الوصية في غير موضعها؛ فلا حرج عليه أن يأمره بالعدل في وصيته، وينهاه عن الجنف، والميل. وقيل: إن المراد به: إذا أخطأ الميت في وصيته، أو جنف متعمّدا؛ فلا حرج على وليه، أو وصيه، أو ولي أمور المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته، وبين الموصى لهم، ويردّ الحق إلى نصابه، ويقيم العدل بينهم؛ وإن حصل في الوصية تبديل، وتغيير؛ لأن فيه خيرا، بخلاف التبديل السّابق. وانظر الأحاديث التي ذكرتها في الآية السّابقة، التي تشدّد النكير على من يجوز في وصيته. {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} واسع المغفرة، والرّحمة لمن قصد بعمله الإصلاح. فهما صيغتا مبالغة.

الإعراب: {فَمَنْ:} الفاء: حرف استئناف. (من): انظر الاعتبارين فيها في الآية السابقة.

{خافَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من). {مِنْ مُوصٍ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من: {جَنَفاً} كان صفة، فلما قدّم عليه صار حالا، على القاعدة المشهورة: «نعت النكرة... إلخ». وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء المحذوفة، لالتقاء الساكنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>