ابتدأت الكلام، قلت: إيت بإبدال الثانية ياء لكسر ما قبلها، فإذا وصلت الكلام زالت العلة في الجمع بين همزتين، فتحذف همزة الوصل وتعود الهمزة الأصلية، فتقول: ائت، ومثل ذلك قل في إعلال: أذن يأذن ونحوه.
{الْقَوْمَ:} هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: رهط، ومعشر، ونفر... إلخ، وهو يطلق على الرجال دون النساء بدليل قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} وقال زهير بن أبي سلمى المزني: [الوافر]
وما أدري-وسوف إخال أدري-... أقوم آل حصن أم نساء؟
وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع للرجال، كما في إرسال الرسل لأقوامهم؛ إذ إن كل لفظ (قوم) في القرآن، إنما يراد به الرجال، والنساء جميعا، وهو يذكر، ويؤنث، انظر الآية رقم [١٠٥] الآتية. {الظّالِمِينَ} أي: بالكفر، واستعباد بني إسرائيل، وذبح صبيانهم، واستحياء بناتهم. {قَوْمَ فِرْعَوْنَ:} قال المسعودي: ولا يعرف لفرعون تفسير في العربية، وظاهر كلام الجوهري: أنه مشتق من معنى العتو، فإنه قال: والفراعنة: العتاة، وقد تفرعن، وهو ذو فرعنة، أي: دهاء، ومكر، وفرعون لقب لمن ملك العمالقة في مصر، كقيصر، وكسرى لملكي الفرس، والروم، وكان فرعون موسى مصعب بن الريان، وقيل: ابنه الوليد من بقايا قوم عاد، وفرعون يوسف-على نبينا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام-ريان بن الوليد، وبينهما أكثر من أربعمئة سنة، وعاش ستمئة وعشرين سنة، وكان ملك فرعون موسى أربعمئة سنة، ولم ير مكروها قط، ولو حصل له في تلك المدة جوع يوم، أو وجع يوم؛ أو حمى يوم لما ادّعى الربوبية.
{أَلا يَتَّقُونَ} أي: ألا يخافون عقاب الله، وانتقامه، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، وذلك مع الإيمان به، وتصديق موسى فيما جاء به من عند ربه. هذا؛ والفعل مأخوذ من (التقوى) وهي حفظ النفس من العذاب الأخروي، وأصل المادة من الوقاية، وهي الحفظ والتحرز من المهالك في الدنيا، والآخرة، وانظر ما وصف الله به المتقين في أول سورة (البقرة). هذا؛ ويقرأ الفعل بالتاء، فيكون في الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب زجرا لهم، وغضبا عليهم.
قال الزمخشري: فإن قلت فما فائدة هذا الالتفات، والخطاب مع موسى عليه الصلاة والسّلام في وقت المناجاة، والملتفت إليهم غيب لا يشعرون، قلت: إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم، وإلقائه إلى مسامعهم؛ لأنه مبلغه، ومنهيه، وناشرة بين الناس، وله فيه لطف، وحث على زيادة التقوى، وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين، وفيها أوفر نصيب للمؤمنين. انتهى.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف استئناف. (إذا): ظرف لما مضى من الزمان، مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو: اتل، ويدل للأول ما صرح به