الخوف قد يصحب الأنبياء، والفضلاء، والأولياء مع معرفتهم بالله، وأن لا فاعل إلا هو؛ إذ قد يسلط من شاء على من شاء.
قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: رتب استدعاء ضم أخيه إليه، وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة: خوف التكذيب، وضيق الصّدر انفعالا عنه، وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق؛ لأنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين، يقوي قلبه، وينوب منابه متى تعتريه حبسته، حتى لا تختل دعوته، ولا تبتر حجته، وليس ذلك تعللا منه، وتوقفا في تلقي الأمر، بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله، وتمهيد عذره فيه. انتهى.
كيف لا وقد صرح بذلك في قوله: {وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} وما أحراك أن تنظر الآيات رقم [٢٥] وما بعدها من سورة (طه).
هذا؛ وقد كان هارون عليه السّلام، أكبر من موسى، وأفصح لسانا منه، وأجمل، وأوسم، وكان أبيض اللون، وكان موسى آدم اللون، أقنى، أجعد، وكان هارون ألين عريكة من موسى، على نبينا وحبيبنا وعليهم جميعا ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام.
هذا؛ وأصل الخوف: انزعاج في الباطن يحصل من توقع مكروه يقع في المستقبل. وأما التخوف؛ فإنه يأتي بمعنى التّنقّص، كما في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} الآية رقم [٤٧] من سور النحل، يروى: أن الفاروق-رضي الله عنه-قال على المنبر:
ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ؟} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، وقال: هذه لغتنا: التّخوّف: التّنقّص، قال عمر-رضي الله عنه-: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]
تخوّف الرّحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السّفن
فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس! عليكم بديوانكم لا تضلوا! قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. وانظر ما ذكرته في الشعراء والشعر في الآية رقم [٢٢٤] الآتية. هذا؛ ويأتي الخوف بمعنى العلم، وبه قيل في قوله تعالى:
{فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً..}. إلخ الآية رقم [١٨٢] من سورة (البقرة)، وفي قوله تعالى:
{إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ..}. إلخ الآية رقم [٢٢٩] من سورة (البقرة)، بعد هذا انظر شرح: {ذَنْبٌ} في الآية رقم [٥٨] من سورة (الفرقان)، وشرح {رَبِّ} في الآية رقم [٩٤] من سورة (المؤمنون).
الإعراب: {قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى موسى، تقديره: هو. {رَبِّ:} منادى مضاف، حذفت منه أداة النداء، وانظر الآية رقم [١٦٩] الآتية. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم ضمير متصل في محل نصب اسمها. {أَخافُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: