للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتدل بين الصيف والشتاء، فجعلوه في فصل الرّبيع، ثم زادوا عشرة أيام كفارة لما صنعوا، فصاموا أربعين يوما، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم فمه، فجعل لله عليه، إن هو برأ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعا، فزادوا فيه أسبوعا، ثم مات ذلك الملك بعد زمان، ووليهم ملك آخر، فقال: ما شأن هذه الثلاثة أيام؟! أتمّوه خمسين، فأتموه خمسين.

واختار هذا القول النّحاس، وقال: وهو أشبه بما في الآية، وفيه حديث يدلّ على صحته، أسنده عن دغفل بن حنظلة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان على النصارى صوم شهر، فمرض رجل منهم، فقالوا: لئن شفاه الله؛ لنزيدنّ عشرة أيام، ثم كان ملك آخر، فأكل لحما، فأوجع فاه، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدنّ سبعة أيام، ثم كان ملك آخر، فقال: لنتمّنّ هذه السبعة، ونجعل صومنا في الربيع، قال: فصار خمسين». انتهى خازن، وقرطبي، وفي الكشاف باختصار.

وأقول: ثمّ فكر علماؤهم بأنّ الامتناع من الطّعام، والشّراب طيلة النّهار، ثم الانفلات من ذلك عند المساء، والانكباب على الطّعام، والشراب هذا لا يكسر شره النفس، ولا يحقّق الحكمة من الصّوم، وهي تهذيب الأخلاق، وتأديب الجوارح، فرأوا أن يكون الامتناع عن الدسم-أي: عما يخرج من الحيوان-أردع للنفس وأزجر لها عن المعاصي، فقرّروا أن يكون الصّوم عن ما يخرج من الحيوان من اللّحم، وغيره، وهذا كلّه يخضع لقاعدة عندهم، وهي أن ما يعقد في الأرض يعقد في السّماء، وما يحلّ في الأرض يحلّ في السماء، فكأنّ وظيفة الرّبّ في نظرهم هي الموافقة على ما يحلّلون، وما يحرّمون فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} انظر الآية رقم [١٨٦] الآتية.

الإعراب: ({يا}): أداة نداء، تنوب مناب أدعو، أو أنادي. ({أَيُّهَا}): منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب‍ ({يا}). و (ها): حرف تنبيه، لا محل له من الإعراب، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه، ولا يقال: ضمير في محل جر بالإضافة؛ لأنه يجب حينئذ نصب المنادى. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع بدل من لفظ: ({أَيُّهَا}) وجملة:

{آمَنُوا..}. إلخ مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {كُتِبَ:} فعل ماض مبني للمجهول، {عَلَيْكُمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {الصِّيامُ:} نائب فاعل ({كُتِبَ}) والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها مبتدأة كالجملة الندائية قبلها. {كَما:} الكاف:

حرف تشبيه وجر، (ما): مصدرية. {كُتِبَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى {الصِّيامُ}. {عَلَى الَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ قَبْلِكُمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، و (ما) المصدرية، والفعل: {كُتِبَ} في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق محذوف، التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة كائنة مثل كتابته على الذين. أو

<<  <  ج: ص:  >  >>