أحدهما: أنه من المجاز الذي يسمى استعارة. والثاني: أن يكون من المجاز الحكمي.
فالطريق الأول: أنه لما متعهم بطول العمر، وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم، وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وبطرهم، وإيثارهم الراحة، والترفه، ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة، والمشاق المتعبة؛ فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، وإليه أشارت الملائكة- صلوات الله وسلامه عليهم-في قولهم:{وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ}.
والطريق الثاني: أن إمهاله الشيطان وتخليته؛ حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه؛ لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل: هي أعمال الخير؛ التي وجب عليهم أن يعملوها، زينها الله لهم، فعموا عنها، وضلوا. ويعزى إلى الحسن. انتهى. كشاف.
وانظر الآية رقم [٢٤] الآتية. {يَعْمَهُونَ:} يتحيرون، ويترددون، لا يعرفون ما يلحقهم من ضر، أو نفع، والعمه: التحيّر، والتردد، كما يكون حال الضال عن الطريق. وعن بعض الأعراب: أنه دخل السوق، وما أبصرها قط، فقال: رأيت الناس عمهين، أراد مترددين في أشغالهم، وأعمالهم، قال رؤبة بن العجّاج:[الرجز]
ومهمه أطرافه في مهمه... أعمى الهدى بالحائرين العمّه
هذا؛ والعمه قريب من العمى، لكن العمى يطلق على ذهاب نور العين، وعلى الخطأ في الرأي، والعمه لا يطلق إلا على الثاني. وفي المصباح: عمه، يعمه عمها من باب: تعب إذا تردد متحيرا، و:«تعامه» مأخوذ من قولهم: أرض عمهاء: إذا لم يكن فيها أمارات تدل على النجاة، فهو عمه، واعمه. انتهى. جمل. وهذا الفعل لم أر له ماضيا، ولا أمرا، فيظهر: أنه فعل جامد، لا يأتي منه غير المضارع، وإن ذكر في كتب اللغة ماض له، لكنه لم يستعمل، ولم يتداول، وهو بلفظ المضارع كثير في القرآن الكريم.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها. {لا:} نافية. {يُؤْمِنُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ. والواو: فاعله.
{بِالْآخِرَةِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها.
{زَيَّنّا:} فعل ماض مبني على السكون، و (نا): فاعله. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {أَعْمالَهُمْ:} مفعول به، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة:{زَيَّنّا لَهُمْ..}. إلخ في محل رفع خبر:{إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ مستأنفة، أو مبتدأة، لا محل لها على الاعتبارين. {فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف، (هم): ضمير منفصل مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ، وجملة:{يَعْمَهُونَ:} في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.