للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على صحة قول ابن عباس-رضي الله عنهما-ما خرّجه مسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه، واللفظ له عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور، لو كشفها؛ لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره». ثم قرأ أبو عبيدة: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ..}. إلخ.

قال أبو عبيد: يقال السّبحات: إنها جلال وجهه، ومنها قيل: سبحان الله، إنما هو تعظيم له وتنزيه. انتهى. قرطبي بتصرف.

{وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: تنزيها وتقديسا لله رب العالمين. هذا؛ و {وَسُبْحانَ:} اسم مصدر، وقيل: هو مصدر، مثل: غفران، وليس بشيء؛ لأن الفعل سبّح بتشديد الباء، والمصدر: تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل: معاذ الله، وقد أجري علما على التسبيح، بمعنى التنزيه على الشذوذ في قول الأعشى: [السريع]

قد قلت لمّا جاءني فخره... سبحان من علقمة الفاخر؟

وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة، فقال موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}. وقد نزه الله ذاته في كثير من الآيات بنفسه تنزيها لائقا به، وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، من رفع، وجر، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجر منه فعل، ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين: الألف والنون، ومعناه التنزيه، والبراءة لله-عز وجل-من كل نقص، فهو ذكر عظيم لله تعالى، لا يصلح لغيره، وقد روي عن طلحة الخير بن عبيد الله-أحد العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله عنهم أجمعين-: أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما معنى سبحان الله؟ فقال: «تنزيه الله من كلّ سوء». والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه، لا من لفظه؛ إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل:

قعد القرفصاء، فالتقدير عنده: أنزه الله تنزيها، فوقع «سبحان الله» مكان قولك: «تنزيها لله».

الإعراب: {فَلَمّا:} الفاء: حرف استئناف، (لما): حرف وجود لوجود عند سيبويه، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. {جاءَها:} فعل ماض، و (ها): ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «هو»، يعود إلى {مُوسى،} والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لما) حرفا، وفي محل جر بإضافة (لما) إليها على اعتبارها ظرفا. {نُودِيَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى {مُوسى}. {أَنْ:} فيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها المفسرة لتقدم ما هو بمعنى القول عليها. والثاني: أنها الناصبة للمضارع، ودخلت

<<  <  ج: ص:  >  >>