للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقولك: أعطيته، فشكر، وتقدير الكلام: آتيناهما علما، فعملا به، وعلماه، وعرفا حق النعمة فيه، وقالا: الحمد لله الذي فضلنا. والكثير المفضل عليه من لم يؤت علما، أو من لم يؤت مثل علمهما. وفيه أنهما فضّلا على كثير، وفضّل عليهما كثير.

وفي الآية الكريمة دليل على شرف العلم، وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه؛ فقد أوتي فضلا على كثير من عباده، وما سماهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أحاديثه الشريفة ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف، والمنزلة؛ لأنهم القوام بما بعثوا لأجله، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ} وقال جل ذكره: {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} وقال جل شأنه: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.

وفي الآية أيضا: أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه، وأن يعتقد العالم أنه إن فضّل على كثير؛ فقد فضّل عليه مثلهم، وما أحسن قول عمر-رضي الله عنه-:

(كلّ الناس أفقه من عمر). انتهى. نسفي بتصرف كبير. وخذ قوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ،} وقصة موسى مع الخضر دليل واضح لما ذكرت. هذا؛ وانظر ما ذكرته من عمر داود، وسليمان-على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-في الآية رقم [٧٨] وما بعدها من سورة (الأنبياء) وأيضا الآية رقم [٥٥] من سورة (الإسراء).

هذا؛ والحمد في اللغة: الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على جهة التبجيل، والتعظيم، سواء أكان في مقابلة نعمة أم لا؛ فالأول كمن يحسن إليك، والثاني كمن يجيد صلاته، وهو في اصطلاح علماء التوحيد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعما على الحامد أو غيره، سواء أكان ذلك قولا باللسان، أو اعتقادا بالجنان، أو عملا بالأركان التي هي الأعضاء؟ كما قال القائل: [الطويل]

أفادتكم النّعماء منّي ثلاثة... يدي ولساني والضّمير المحجّبا

ومما هو جدير بالذكر: أن معنى الشكر في اللغة هو معنى الحمد في الاصطلاح، وأما معنى الشكر في الاصطلاح فهو: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله. هذا؛ وقد حثنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم على حمد الله باللسان، ورغبنا فيه، وذكر لنا أحاديث ترغبنا فيه، وصيغا مفصّلة على غيرها؛ لما فيها من المعاني القوية، وخذ نبذة من ذلك فيما يلي:

فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم: «أنّ عبدا من عباد الله قال: يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، فعضّلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها؟! فصعدا إلى السّماء، فقالا: يا ربّنا إنّ عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها؟ قال الله، وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا ربّ إنّه قد قال: يا ربّ لك

<<  <  ج: ص:  >  >>