للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقد اختلف في حجم النمل، فقال الكلبي: كانت نملة صغيرة مثل النمل المعتاد. وقيل:

كان نمل ذلك الوادي كهيئة الذئاب في العظام. وقال بريدة الأسلمي: كهيئة النعاج. وقولها: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ} يدل على صحة قول الكلبي؛ إذ لو كانت كهيئة الذئاب، والنعاج لما حطمت بالوطء.

وعن قتادة: أنه دخل الكوفة، فالتفت إليه الناس، فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة رحمه الله حاضرا، وهو غلام حدث، فقال: سلوه عن نملة سليمان، أكانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه، فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له: من أين عرفت؟ قال: من كتاب الله، وهو قوله:

{قالَتْ نَمْلَةٌ} ولو كانت ذكرا لقال: قال نملة، وذلك: أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر، والأنثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو: حمامة ذكر، وحمامة أنثى، وهو وهي.

هذا؛ وسميت النملة نملة؛ لتنملها، وهو كثرة حركتها، وقلة قرارها. والنمل: حيوان معروف، شديد الإحساس، والشم، حتى إنه ليشم الشيء من بعيد، ويدخر قوته. ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة حبتين خوفا من الإنبات، ويفلق حبة الكزبرة أربع فلق؛ لأنها إذا فلقت فلقتين؛ تنبت، ويأكل في عامه نصف ما جمع، ويستبقي باقيه عدة. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل أربع من الدواب: (الهدهد، والصرد، والنملة، والنحلة).

أخرجه أبو داود. وهذا إذا لم يكن منهن أحد مؤذيا، وإلا فقتل المؤذي حلال.

فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل، فأحرقت، فأوحى الله تعالى إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبّح؟!» وفي طريق آخر: «فهلا نملة واحدة». قال العلماء: يقال إن هذا النبي هو موسى على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وإنه قال: يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم، وفيهم الطائع، فكأنه أحب أن يريه ذلك من عنده، فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها، وعندها قرية النمل، فغلبه النوم، فلما وجد لذة النوم؛ لدغته النملة، فأضجرته، فدلكهنّ بقدمه، فأهلكهنّ، وأحرق تلك الشجرة التي عندها مساكنهم، فأراه الله العبرة في ذلك لما لدغته نملة، فقال:

فكيف أصبت الباقين بعقوبتها، يريد أن ينبهه: أن العقوبة من الله تعالى تعمّ، فتصير رحمة على المطيع، وطهارة، وبركة، وشرا، ونقمة على العاصي، وعلى هذا فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل، وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك، وسلطت عليها. انتهى. قرطبي.

{قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ:} لما جعلها الله قائلة، والنمل مقولا لهم، كما يكون في العقلاء؛ أجرى خطاب النمل خطاب العقلاء، وذلك بالواو التي هي علامة جمع المذكر السالم. {لا يَحْطِمَنَّكُمْ:} فإن قيل: كيف يتصور الحطم-وهو التكسير-من سليمان، وجنوده، وهو فوق البساط على متن الريح، فالجواب: كأنهم أرادوا النزول عند منقطع الوادي،

<<  <  ج: ص:  >  >>