تنبيه: لقد اختلف الناس في معنى تفقده للطير على أقوال كثيرة، وأكتفي بما يلي نقلا عن القرطبي. فقد قال عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-: إنما طلب الهدهد؛ لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض؛ لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها، فكان يخبر سليمان بموضع الماء، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة، تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة، قاله ابن عباس فيما روى عن ابن سلام، وذكر:
أن سليمان لم يصحب معه سوى هذا الهدهد في سفره، ولذا فقده، مع كون الهداهد كثيرة.
قال أبو مجلز، قال ابن عباس لعبد الله بن سلام-رضي الله عنهم أجمعين-: أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل قال: أتسألني، وأنت تقرأ القرآن؟ قال: نعم (ثلاث مرات) قال: لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير؟ قال: احتاج إلى الماء، ولم يعرف عمقه، وكان الهدهد يعرف ذلك دون سائر الطير، فتفقده. وروي: أن نافع بن الأزرق الخارجي سمع ابن عباس يذكر شأن الهدهد، فقال له: قف يا وقّاف، كيف يرى الهدهد باطن الأرض، وهو لا يرى الفخ حين يقع فيه؟! فقال له ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا جاء القدر عمي البصر. قال ابن العربي:
ولا يقدر على هذا الجواب إلا عالم القرآن، وأنشدوا في هذا المعنى:[الرجز]
إذا أراد الله أمرا بامرئ... وكان ذا عقل ورأي ونظر
وحيلة يعملها في دفع ما... يأتي به مكروه أسباب القدر
غطّى عليه سمعه وعقله... وسلّه من ذهنه سلّ الشّعر
حتّى إذا أنفذ فيه حكمه... ردّ عليه عقله ليعتبر
الإعراب:{وَتَفَقَّدَ:} الواو: حرف عطف. (تفقد): فعل ماض، والفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى (سليمان). {الطَّيْرَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:(تبسم...) إلخ لا محل لها مثلها. {فَقالَ:} الفاء: حرف عطف، وتعقيب. (قال): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (سليمان) أيضا، (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (لي): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {لا:} نافية. {أَرَى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر وجوبا تقديره:«أنا». {الْهُدْهُدَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال، من ياء المتكلم، والرابط: الضمير فقط، والعامل في الحال الاستفهام. {أَمْ:} حرف إضراب بمعنى «بل» كما رأيت. وتسمى منقطعة. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره:«هو» يعود إلى الهدهد. {مِنَ الْغائِبِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان، والكلام:{ما لِيَ..}. إلخ كله في محل نصب مقول القول، وجملة {فَقالَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.