للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هديتها علامة على ما في نفسها على ما ذكرناه من كون سليمان ملكا، أو نبيا؛ لأنه قال في كتابه: {أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} وهذا لا تقبل فيه فدية، ولا تؤخذ عنه هدية، وليس هذا من الباب الذي تقرر في الشريعة المحمدية عن قبول الهدية بطريق من الطرق المعوجة لأجل غاية عند حاكم، أو موظف، وإنما هي رشوة لأجل إماتة حق، وإحياء باطل، وقد لعن الرسول صلّى الله عليه وسلّم الرّاشي، والمرتشي، والرائش بينهما، وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة من كل أحد، وعلى كل حال؛ لأنها لا يقصد بها إضاعة حق، ولا إحياء باطل.

والهدية على هذا الشكل مندوب إليها، وهي مما تورث المودة، وتذهب العداوة. روى مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تصافحوا يذهب الغلّ، وتهادوا تحابّوا، وتذهب الشّحناء». وعن ابن شهاب قال: بلغنا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«تهادوا بينكم، فإنّ الهديّة تذهب السخيمة». وعلى الجملة فقد ثبت: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقبل الهدية، وفيه الأسوة الحسنة، ومن فضل الهدية مع اتباع السنة: أنها تزيل حزازات النفوس، وتكسب المهدي والمهدى إليه رنّة في اللقاء، والجلوس، ولقد أحسن من قال: [الوافر]

هدايا الناس بعضهم لبعض... تولّد في قلوبهم الوصالا

وتزرع في الصّدور هوى وودّا... وتكسبهم إذا حضروا جمالا

وقال آخر: [البسيط]

إنّ الهدايا لها حظّ إذا وردت... أحظى من الابن عند الوالد الحدب

هذا؛ وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «جلساؤكم شركاؤكم في الهدية». واختلف في معناه، فقيل: هو محمول على ظاهره، وقيل: يشاركهم على وجه الكرم، والمروءة، فإن لم يفعل فلا يجبر عليه، وقال أبو يوسف: ذلك في الفواكه، ونحوها. وقال بعضهم: هم شركاؤه في السرور لا في الهدية. والخبر محمول في أمثال أصحاب الصفة، والخوانق، والرباطات، أما إذا كان فقيها من الفقهاء؛ اختص بها، فلا شركة فيها لأصحابه، فإن أشركهم فذلك كرم وجود منه. انتهى. قرطبي بتصرف من التنبيه إلى هنا، وينبغي أن تعلم أنه لم تذكر الهدية في غير هذه السورة.

الإعراب: {فَلَمّا:} الفاء: حرف استئناف. (لما): انظر الآية رقم [٨]. {جاءَ:} فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى الرجل المرسل من قبل بلقيس. {سُلَيْمانَ:} مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لما) حرفا، وفي محل جر بإضافة: (لما) إليها على اعتبارها ظرفا. {قالَ:} فعل ماض، وفاعله يعود إلى: {سُلَيْمانَ}. تقديره: هو. {أَتُمِدُّونَنِ:}

الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (تمدونن): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة، أو الثابتة في بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>