سورة (الشعراء) اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا داره ليلا، ويقتلوه وأهله المختصين به، والمؤمنين الذين اتبعوه، واهتدوا بهديه؛ وقد قالوا: إذ كان كاذبا في وعيده؛ أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقا؛ كنا قد عجلناه قبلنا، وشفينا قلوبنا. قاله مجاهد، وغيره.
{وَمَكَرْنا مَكْراً} أي: جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه، فأتت تلك التسعة دار صالح، شاهرين سلاحهم وسيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة، وهم يرون الحجارة، ولا يرون الملائكة، فقتلتهم، وأهلك الله جميع القوم بالصيحة. انتهى. خازن. وهذا يخالف ما ذكرته في الآية السابقة عن القرطبي، والنتيجة واحدة، وهي نجاة صالح، وإهلاك قومه، كما رأيت في سورة (الأعراف) وسورة (هود) وغيرهما.
{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:} أن وبال مكرهم عائد عليهم بالويل، والثبور، وعظائم الأمور. هذا؛ والشعور: إدراك الشيء من وجه يدق، ويخفى، مشتق من الشعر لدقته، وسمي الشاعر شاعرا لفطنته، ودقة معرفته. هذا؛ و (المكر) معناه: الخبث، والخداع والاحتيال، والكيد، والتدبير الحرام. وهو مستحيل في حقه تعالى، وإنما نسبه الله إلى نفسه في هذه الآية وأمثالها من باب المقابلة، وهذا يسمى عند البلغاء بالمشاكلة؛ أي: ذكر الله جزاءهم، وعقابهم من جنس صنعهم، ومنه قوله تعالى:{نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} وقوله: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}. وذلك كثير في كتاب الله تعالى: هذا؛ وخذ قول الشاعر:[الطويل]
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة... ولكن بأنواع الخديعة والمكر
وأيضا قول زياد بن يسار:[الطويل]
تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها... فبالغ بلطف في التّحيّل والمكر
وهذا هو الشاهد رقم [١٠٢١] من كتابنا فتح القريب المجيب.
الإعراب:{وَمَكَرُوا:} الواو: حرف عطف. (مكروا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مَكْراً:} مفعول مطلق؛ لأنه مصدر ميمي، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{قالُوا..}. إلخ لا محل لها مثلها. {وَمَكَرْنا:} الواو: حرف عطف. (مكرنا):
فعل، وفاعل. {مَكْراً:} مفعول مطلق أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {وَهُمْ:} الواو: واو الحال، (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لا:} نافية. {يَشْعُرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير.